للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقدير لا يحصل متى صار عبارة عن الوقت، لأن الوقت بنفسه غير مقدّر. وبياض النهار مقدّر، فصار عبارة عن بياض النهار بدلالة التقدير. فأما متى لم يذكر اليوم للتقدير، فإنه يصير عبارة عن الوقت. متى ذكر مقروناً بفعل لا يختص بالنهار؛ وههنا اليوم لم يمكن للتقدير. وقد ذكر مقروناً بفعل لا تختص صحته بالنهار، فصار عبارة عن الوقت. وصار تقدير هذه اليمين وقت أفعل كذا امرأته طالق، ولو خرج بذلك تطلق امرأته، فعل ذلك الفعل ليلاً أو نهاراً، كذا ههنا.

وإن قال: عنيت بياض النهار، ففعل ذلك ليلاً لا يحنث في يمينه، ويصدق قضاء هكذا ذكر في كتاب الأيمان. وذكر في كتاب الطلاق أنه لا يصدق قضاء، فعلى رواية كتاب الطلاق جعله بادئاً للتخصيص، وعلى رواية كتاب الأيمان جعله بادئاً حقيقة كلامه، ولو قال: ليلة أفعل كذا، فهذا على سواد الليل خاصة، حتى لو فعل ذلك نهاراً لم يلزمه الحنث، لأن الليل في حقيقة اللغة عبارة عن سواد الليل، ولم يصر عبارة عن مطلق الوقت.

وفي «المنتقى» في باب الحلف على الكلام: إذا حلف لا يكلم فلاناً ثلاثين يوماً، وكان الحلف ليلاً ترك كلامه من تلك الساعة إلى أن تغيب الشمس من اليوم الثلاثين ولو حلف ليلاً لا يكلم هذا اليوم، فإنه يحنث بالكلام من تلك الليلة إلى أن تغيب الشمس في اليوم، وروي عن محمد رحمه الله خلافه، ولو حلف نهاراً لا يكلّم هذه الليلة لم يدخل ما بقي من اليوم في يمينه، إنما حلفه على الليل خاصة.

وذكر هذه المسألة في «المنتقى» في موضع آخر، وذكر فيها تفصيلاً. فقال: إذا قال في أول الليل: لا أكلمك اليوم ولا نيّة له فهذا باطل ولو قال ذلك في آخر الليل، فهو على اليوم المستقبل، وكذلك إذا قال آخر النهار فهو على الليل المستقبل.

وفي «الجامع» إذا قال: والله لا أكلمك في اليوم الذي يقدم فيه فلان، فكلمه في أول يوم قدم فلان في آخر ذلك اليوم حنث في يمينه. ولو قدم فلان في أول يوم وكلمه في آخر ذلك اليوم، وقع في بعض نسخ الزعفراني أنه يحنث، وعامة المشايخ على أنه لا يحنث ولا ذكر لهذه المسألة في «الكتاب» عن محمد رحمه الله، والوجه في ذلك أن القدوم وإن كان في معنى الشرط من حيث إنه ملفوظ على خطر الوجود إلا أنه ليس بشرط حقيقة وصورة، لأن الحالف ما جعله شرطاً لأنه ما قرنه بحرف الشرط وما عطفه على الشرط بل جعله معرفاً بشرط الحنث وهو الكلام، وإنما يكون معرفاً للشرط إذ وجد الشرط قبله؛ لأن من شرط المعرف للشيء أن يكون ذلك الشيء سابقاً عليه، حتى يحصل التعريف بوجود نفس المعرف، ولم يوجد ذلك ههنا، فعملنا بالمعرفة، فقلنا: إذا وجد القدوم قبل الكلام لا يحنث في يمينه، وعملنا بالشرطية فقلنا: إذا وجد القدوم بعد الكلام وقع الحنث مقصوداً عليه عملاً بالمعنيين جميعاً بقدر الإمكان.

ولو قال: لا أكلم فلاناً في الشهر الذي قبل قدومه، فكلامه في أول الشهر وقدم فلان لتمام الشهر حنث في يمينه، لأن شرط الحنث كلام المحلوف عليه في شهر قبل

<<  <  ج: ص:  >  >>