للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلوى؛ كحال المرأة مع ذوي محارمها، وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول: يجوز النظر إلى بطنها وظهرها وجنبها، ويروى في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من أراد أن يشتري جارية، فلينظر إليها، إلا إلى موضع المئزر، وهذا القول ليس بصحيح. تأويل الحديث: أن المرأة قد تتزر على الصدر، فهو مراد ابن عباس رضي الله عنه، قال: وكل ما يباح النظر إليه منها يباح مسه إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها، والأصل في ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه مر بجارية تباع، فضرب يده على صدرها، ومس ذراعيها وقال: اشتروا فإنها رخصة، والمعنى أن المسح للنظر الحاجة، وكما مست الحاجة إلى النظر مست الحاجة إلى اللمس ليعرف أن يشتريها.

ولم يذكر محمد رحمه الله في شيء من الكتب الخلوة، والمسافرة بإماء الغير، وقد اختلف المشايخ فيه؛ منهم من قال: يحل، وإليه مال الحاكم الشهيد، ومنهم من قال: (لا) يحل، وبه كان يفتي الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي، والذين قالوا بالحل اختلفوا فيما بينهم؛ بعضهم قالوا: ليس له أن يعالجها في الإنزال والإركاب؛ لأنه يشتهيها، وبعضهم قالوا: له ذلك إذا أمن على نفسه الشهوة وعليها؛ وهذا لأن المولى قد يبعثها إلى بلدة أخرى في حاجته، وعسى تحتاج إلى من يركبها وينزلها، ولأجل الحاجة جوز النظر والمس في سائر المواضع.

وأما النظر إلى الأجنبيات: فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية، والأصل فيه قوله تعالى: {ولا يبديين زينتهن إلا ما ظهر منها} (النور:٣١) قال علي وابن عباس رضي الله عنهم: ما ظهر منها الكف والخاتم، وروي: أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى وجهها، فلم يرَ فيها رغبة، ورأى رسول الله عليه السلام كف امرأة غير مخضوبة فقال: «أكف رجل هذا» ؟ ولما ناول فاطمة أحد ولديها بلالاً أو أنساً، قال: «رأيت كفها كأنها فِلْقَة قمر» ؛ ولأنها تحتاج إلى إبداء وجهها في المعاملات لتحل الشهادة عليها، وتحتاج إلى إبداء كفها عند الأخذ والإعطاء.

وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما: أنه يجوز النظر إلى قدمها أيضاً؛ لأنها تحتاج إلى إبداء قدمها إذا مشت حافية أو متنعلة، فإنها لا تجد الخف في كل وقت، وفي رواية أخرى عنه قال: لا يجوز النظر إلى قدمها.

وفي «جامع البرامكة» عن أبي يوسف: أنه يجوز النظر إلى ذراعيها أيضاً؛ لأنها تصير مبتلياً بإبداء ذراعيها عند الغسل والطبخ، قيل: فكذلك يباح النظر إلى ثناياها؛ لأن ذلك يبدوا منها عند التحدث مع الرجال في المعاملات، وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يعلم أنه لو نظر (٨٧ب٢) اشتهى، أو كان أكثر رأيه ذلك، فليجتنب

<<  <  ج: ص:  >  >>