للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل أظهر الفسق في داره، فقدم إليه الإمام، فإن كف عنه لم يتعرض له، وإن لم يكف عنه فالإمام بالخيار؛ إن شاء حبسه، وإن شاء أدبه بضرب سياط، وإن شاء أزعجه عن داره؛ لأن الكل يصلح للتعزير؛ ذكر في «فتاوى النسفي» : أنه يكسر دنان الخمر، وإن كان قد ألقى فيها الملح، وذكر أن الكاسر لا يضمن الدنان، وستأتي هذه المسألة مع أجناسها في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى.

في «النوازل» : رجل رأى منكراً وهذا الرائي يرتكب مثل هذا المنكر يلزم الرائي أن ينهى عنه؛ لأن الواجب عليه ترك المنكر والنهي عنه، فإن ترك أحدهما لا يوجب ذلك ترك الآخر.

رجل يعلم أن فلاناً يتعاطى من المناكير، فأراد أن يكتب إلى أبيه بذلك؛ قال: إن وقع في قلبه أنه يمكن للأب أن يغير على ابنه فليكتب؛ لأن الكتابة تفيد، فإن وقع في قلبه أنه لا يمكنه ذلك لا يكتب؛ لأن الكتابة لا تفيد في هذه الصورة سوى وقوع العداوة بين الوالد والولد، وكذلك هذا الحكم بين الزوجين، وبين السلطان والرعية.

قال محمد رحمه الله في «السير الكبير» : لا بأس بأن يحمل الرجل وحده على المشركين، وإن كان غالب رأيه أنه يقتل إذا كان في غالب رأيه أنه ينكي فيه نكاية بقتل أو جرح أو هزيمة، وإن كان غالب رأيه أنه لا ينكي فيهم أصلاً، لا بقتل ولا جرح ولا هزيمة ويقتل هو، فإنه لا يباح أن يحمل وحده، والقياس أن يباح له في الأحوال كلها، وإن علم أنه يقتل؛ لأنه يبتغي بما قصد الحياة الدائمة؛ يعني فإن الشهداء أحياء قال الله تعالى: {بل أحياء عند ربهم} (آل عمران: ١٦٩) إن كان مهلكاً نفسه صورة، والعبرة للمعنى؛ لكن ترك القياس فيما إذا كان يعلم أنه يقتل، ولا ينكي فيهم نكاية بالإجماع، ولا إجماع فيما إذا كان يعلم أن بخروجه لا ينكي فيهم نكاية، فيعمل فيه بقضية القياس.

وأما قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (البقرة: ١٩٥) فلأهل التفسير في تأويل الآية ومعناها كلام، فالمحققون فيهم قالوا: معنى الآية أنفقوا أرواحكم في الجهاد، ولا تلقوا بأيديكم إلى الموت المعتاد فراراً عن القتل بالجهاد، وأحسنوا تسليم أنفسكم وأموالكم التي اشتراها الله تعالى منكم بالجنة والنعيم، وبعضهم قالوا: معنى الآية: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} بترك الجهاد، ولها وجوه وعرف ذلك في كتب التفسير.

ثم فرقوا بين الحملة على المشركين، وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بين المسلمين، فقالوا: من أراد أن ينهى قوماً من فساق المسلمين عن منكر، وكان من غالب رأيه أنه يقتل لأجل ذلك، ولا ينكي فيه نكاية بضرب أو ما أشبهه، فإنه لا بأس بالإقدام عليه، وهو العزيمة، وإن كان يجوز له أن يترخص بالسكوت، وقالوا في الحملة على المشركين: إذا كان غالب رأيه أنه متى حمل عليهم يقتل من غير أن ينكي فيهم نكاية لا يحل له ذلك، ولا فرق بينهما من حيث المعنى؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينكي فيهم لا محالة. (٩٥ب٢)

وبيان ذلك من وجهين؛ أحدهما: أن المسلمين يتركون الفساد حال ما يشتغلون

<<  <  ج: ص:  >  >>