للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنساناً، قال: فيما بينه وبين الله تعالى فلا ينبغي له ذلك؛ لأنه يتصرف في نصيبه ونصيب شريكه، والتصرف في ملك الغير حرام حقاً لله تعالى، وحقاً لصاحب الملك، وفي القضاء لا يمنع من ذلك؛ لأن الإنسان لا يمنع عن التصرف فيما بيده إذا لم ينازعه أحد، فإن أجر وأخذ الأجر ينظر إلى حصة نصيب شريكه من الأجر، ويرد ذلك عليه إن قدر، وإلا يتصدق؛ لأنه تمكن فيه خبث لحق شريكه، وكان كالغاصب إذا أجر، وقبض الأجر يتصدق أو يرده على المغصوب منه، أما ما يخص نصيبه يطيب له؛ لأنه لا خبث فيه، هذا إذا أسكن غيره.

فأما إذا سكن بنفسه وشريكه غائب، والقياس أن لا يكون له ذلك فيما بينه وبين الله كما لو أسكن غيره، وفي الاستحسان: له ذلك؛ لأن له أن يسكن الدار من غير إذن صاحبه حال حضرة صاحبه؛ لأنه يتعذر الاستئذان في كل مرة، وعلى هذا أمر الدور فيما بين الناس، فكان له أن يسكن حال غيبته، فأما ليس له إسكان غيره حال حضرة صاحبه بغير إذنه فكذا حال غيبته، وإلى هذا المعنى أشار محمد رحمه الله في «الكتاب» ، فقال: هكذا عامة الدور.

وفي «العيون» : لو أن داراً غير مقسومة بين رجلين غاب أحدهما، وسع الحاضر أن يسكن بقدر حصته فيسكن الدار كلها، وكذا خادم بين رجلين غاب أحدهما، فللحاضر أن يستخدم الخادم بحصته، وفي الدابة لا يركبها الحاضر؛ لأن الناس يتفاوتون في الركوب؛ أما لا يتفاوتون في السكنى واستخدام الخادم، فيتضرر الغائب بركوب الدابة، ولا يتضرر بالاستخدام والسكنى. في «إجازات النوازل» عن محمد بن مقاتل: أن للحاضر أن يسكن الدار قدر نصيبه، وعن محمد رحمه الله: أن للحاضر أن يسكن جميع الدار إذا خاف على الدار الخراب إن لم يسكنها.

وروى ابن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنه في الأرض: أنه ليس للحاضر أن يزرع بقدر حصته، وفي الدار له أن يسكنها. وفي «نوادر هشام» له ذلك في الوجهين.

فإن أراد الرجل إحداث مظلة في طريق العامة ولا ضرر بالعامة، فالصحيح من مذهب أبي حنيفة: أن لكل واحد من آحاد المسلمين حق المنع وحق الطرح، وقال محمد: له حق المنع من الإحداث وليس له حق الطرح، فإن كان يضر ذلك بالمسلمين، فلكل واحد من آحاد المسلمين حق الطرح والرفع، وإن أراد إحداث الظلة في سكة غير نافذة لا يعتبر فيه الضرر، وعدم الضرر عندنا بل يعتبر فيه الإذن من الشركاء.

وهل يباح إحداث الظلة على طريق العامة؟ ذكر أبو جعفر الطحاوي أنه يباح، ولا يأثم قبل أن يخاصمه أحد، وبعدما خاصمه لا يباح الإحداث، ولا يباح الانتفاع ويأثم بترك الظلة، وقال أبو يوسف ومحمد: يباح له الانتفاع إذا كان لا يضر ذلك بالعامة.

وفي «المنتقى» قال: إذا أراد أن يبني كنيفاً أو ظلة على طريق العامة، فإني أمنعه من ذلك، وإن بنى ثم اختصموا نظرت في ذلك، فإن كان فيه ضرر أمرته أن يقلع، وإن لم

<<  <  ج: ص:  >  >>