للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه شرعاً، فلا يصلح سبباً للضمان.

الوجه الثاني: إذا أخذها لنفسه، وأقر بذلك، وفي هذا الوجه هو ضامن؛ لأنه منهي عن الأخذ لنفسه، فيصير غاصباً ضامناً.

الوجه الثالث: إذا ادعا أنه أخذها ليردها على المالك إلا أنه لم يشهد على ذلك، ولكن صدقه أنه أخذها ليردها على المالك وضمنها لا ضمان، وإن كذبه المالك في ذلك، وادعى أنه أخذها لنفسه فعند أبي يوسف القول قول الملتقط مع يمينه؛ لأن الظاهر شاهد له؛ لأن الظاهر مباشرة ما هو حلال، والحلال من الأخذ ههنا الأخذ للرد على المالك، وعند أبي حنيفة ومحمد القول قول صاحب اللقطة؛ لأن الأصل في عمل الحر أن يكون لنفسه ما لم يوجد دليل يدل على العمل للغير، وذلك الدليل ههنا الإشهاد، فإذا ترك الإشهاد لم يوجد دليل العمل لغيره، فعمل به يتضمنه الأصل.

وإن أشهد أنه التقط لقطة أو ضالة، أو قال: عندي لقطة فمن سمعتموه يطلب لقطة فدلوه عليَّ، فلما جاء صاحبها قال: قد هلكت فهو مصدق، ولا ضمان عليه؛ لأنه تبين بصدر الكلام أنه أخذه للرد، وأنه أمين فيها، وقول الأمين في دعوى الهلاك مقبول، ولا يضره أن يسمي جنسها ولا صنعتها في التعريف؛ لأن ترك تسمية ذلك لتحقيق الحفظ على المالك حتى لا يسمع ذلك إنسان فيدعيها لنفسه، ويرفع الأمر إلى قاضي يرى الاستحلاف لمصيب العامة، وفيه خلاف ظاهر، على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

ولو وجد لقيطان أو ثلاثة وقال: من سمعتموه ينبذ لقطة فدلوه عليَّ، فهذا تعريف للكل ولا ضمان إن هلكت الكل عنده، في «فتاوى أهل سمرقند» وجد لقطة في طريق أو مفازة، ولم يجد أحداً يشهده عليه عند الأخذ، قال: يشهد إذا ظفر بمن يشهده عليه، فإذا فعل ذلك لا يضمن؛ لأنه ليس في وسعه أكثر من هذا، وإن وجد من يشهده ولم يشهد حتى جاوزه ضمن؛ لأنه ترك الإشهاد مع القدرة عليه، وإذا التقط لقطة ليعرضها ثم ردها إلى مكانها الذي وجدها فيه فلا ضمان عليه لصاحبها، وإن هلكت قبل أن يصل إليها صاحبها أو استهلكها غيره؛ لأن الأخذ ليردها على مالكها لا يصلح سبباً للضمان، والرد إلى مكانه لا يصلح سبباً للضمان والرد إلى مكانه لا يصلح سبباً، فامتنع وجوب الضمان.

قال الحاكم الشهيد في «إشاراته» : إن ما ذكر في الكل محمول على ما إذا أعادها بعدما حولها ضمن، وإليه ذهب الفقيه أبو جعفر، وروي عن محمد أنه إذا مشى خطوتين، أو ثلاثة خطوات ثم ردها، ووضعها في الموضع الذي أصابها فيه يبرأ من الضمان، فلا يعتبر هذا القدر من التحويل، وإن كان أخذها لنفسه ثم ردها إلى مكانه فهو ضامن لها؛ لأنه صار ضامناً بالأخذ، والضمان متى وجب لا تقع البراءة منه إلا بالرد على المالك، والإعادة إلى موضعه ليس برد على المالك، وهو نظير ما لو غصب من آخر دابة، ثم ردها على مالكها فلم يجده، وربطها على مكانها.

وفي «المنتقى» عن أبي يوسف: أنه إذا ردها إلى مكانها من غير أن يذهب بها فلا ضمان من غير فصل، بينما إذا أخذها لنفسه أو أخذها ليعرفها، وإذا ذهب بها؛ ثم ردها

<<  <  ج: ص:  >  >>