للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث لا قيمة له، أما إذا ألقى فيه خلاً أوله قيمة عند أبي حنيفة يصير الخل ملكاً للغاصب، ولا شيء عليه، وأما على قول أبي يوسف ومحمد؛ إن كان ألقى فيه الملح أخذه المالك، وأعطاه ما زاد الملح فيه، وإن كان ألقى فيه الخل فهو بينهما على قدر كيلهما.

ويستوي إن صبت من ساعتها أو بعد حين، وبعض مشايخنا قالوا: إن كان الذي صبَّ فيها خل كثير، حتى صار خلاً من ساعته، فهو كله للغاصب، وإن كان قليلاً، وصار خلاً بعد حين، فهو بينهما على مقدار كيلهما، وبعض مشايخنا قالوا: إن خلله بما ليس له قيمة أخذه مجاناً، وإن خلله بما له قيمة أخذه وأعطاه ما زاد الملح والخل فيه.

وإذا غصب عصيراً فصار خمراً عنده، فله أن يضمنه مثله إن كان في حينه، وقيمته إن كان في غير حينه، ولو أراد أن يأخذ الخمر، ولا يضمنه؛ هل له ذلك؟ اختلف المشايخ فيه، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله. والصحيح أنه ليس له ذلك (١١٤ب٢) وقال بعضهم: له ذلك، وهكذا ذكر الكرخي في «كتابه» عن أبي يوسف.

ثم إذا كان له حق الأخذ على قول هؤلاء؛ لو أراد أن يضمنه النقصان مع ذلك ليس له ذلك، وذكر في «القدوري» عن أبي يوسف: أن من غصب عصيراً فصار عنده خلاً، أو لبناً حليباً، فصار عنده مخيضاً، أو عنباً فصار زبيباً، فالمغصوب منه بالخيار؛ إن شاء أخذ ذلك بعينه، ولا شيء له غيره، وإن شاء ضمنه مثله وسلم ذلك إليه؛ لأنه قد انتقص في يد الغاصب وتعيب ولا يمكن النقصان مع أخذ العين؛ لأن هذه الأعيان تجري فيها الربا، فلم تكن الجودة بانفرادها متقومة، فإذا أخذ العين سقط حق التضمين، وإن شاء ضمنه المثل.

وإذا غصب جلد ميتة ودبغه، إن دبغه بما لا قيمة (له) ، فإنه يأخذه مجاناً، وإن دبغه بما له قيمة أخذه، وأعطاه ما زاد الدباغ فيه. قال القدوري في «كتابه» : هذا إذا أخذ الجلد من ميتة له ودبغه، أما إذا ألقى صاحب الميتةِ الميتةَ في الطريق، فأخذ رجل جلدها، ودبغه بما لا قيمة له، فليس للمالك أن يأخذ الجلد.

وللغاصب أن يحبس الجلد حتى يصل إليه قيمة ماله. ولو أراد صاحب الجلد أن يترك الجلد على الغاصب ويضمنه قيمة الجلد ليس له ذلك، ولو كان المغصوب جلد ذكي كان له ذلك.

قال مشايخنا: هذا الفرق بين جلد الميتة وبين جلد الذكي ذهب إليه الحاكم الشهيد، والجواب في الميتة وفي الذكي واحد، للمالك أن يترك الجلد عليه، ويضمنه قيمة جلده.

وفي «القدوري» : لو أن الغاصب جعل هذا الجلد أديماً أو وقراً أو جراباً لم يكن للمغصوب منه على ذلك سبيل؛ لأنه تبدل الاسم والمعنى بصنع الغاصب، فكان هو أولى. فإن كان الجلد ذكياً، فله قيمته يوم الغصب، وإن كان جلد ميتة فلا شيء له.

وفيه أيضاً: لو غصب خمراً وخللها، ثم استهلكها، فعليه خل مثله؛ لأنه صار خلاً

<<  <  ج: ص:  >  >>