للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغاصب الأول القيمة التي أخذها من الغاصب الثاني؛ سلمت الجارية للغاصب الثاني لنفاذ التمليك على المالك، وإن ضمن المولى الغاصب الأول قيمة الجارية يوم الغصب الأول سلمت القيمة التي أخذها الغاصب الأول له؛ لأنه تيقن أنه ملكها من وقت الغصب الأول، وإن الثاني غصب ملك الغاصب الأول، فكان الضمان الأول؛ إلا أن الأول يتصدق بأحد الألفين وهو الفضل على القيمة التي أداها إلى المالك، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد؛ أما على قول أبي يوسف؛ لا يتصدق بشيء؛ بل يطيب له؛ لأن شرط الطيب عندهما الملك والضمان، والضمان ههنا، وإن كان واجباً وقت المبادلة فالملك لم يكن، وعند أبي يوسف شرط طلب الضمان لا غير، وقد وجد ذلك ههنا، وأصل المسألة: المودع إذا باع الوديعة، وربح ثم ضمن؛ هل يطيب له الربح؟ فهو على هذا الاختلاف.

قال: وليس للغاصب الثاني أن يطأ الجارية حتى يختار المولى أخذ القيمة التي أخذها الغاصب الأول، ويختار ضمان الغصب الأول؛ لأن الملك قبل ذلك موقوف، والحل لا يثبت بالملك الموقوف، فإن كانت الجارية حاضت حيضة بعدما أخذ الأول القيمة من الثاني قبل أن يختار المولى شيئاً من ذلك، ثم اختار شيئاً من ذلك، لا يجزىء بتلك الحيضة؛ لأن الملك موقوف، والحيضة إذا وجدت بعد ثبوت الملك قبل وجود اليد لا تجزىء بها عن الاستبراء، فإذا حصلت قبل ثبوت الملك؛ لأن لا يجزئ بها كان أولى.

ولو كان الغاصب الأول أقر بقبض القيمة من الغاصب الثاني، فهذا وما لو ثبت أخذ القيمة بإقامة البينة سواء، غير أن بينهما فرقاً من وجه أن في هذه الصورة كان للمولى أن يضمن الثاني، وفيما إذا ثبت ذلك بالبينة ليس للمولى تضمين الثاني.

والفرق: أن حق تضمين الثاني قد ثبت للمالك لكونه غاصب الغاصب؛ إلا أن تضمين الأول الثاني يبطل هذا الحق للمالك، وذلك ههنا إنما ثبت بإقرار الأول، والإقرار حجة قاصرة، فلم يظهر أخذ الأول القيمة من الثاني في حق بطلان حق المالك في تضمين الثاني بخلاف الأول؛ لأن هناك أخذ القيمة ثبت بأمر حجة عامة؛ أما هاهنا بخلافه وكان المعنى فيه، وهو أن الغاصب الأول إنما ملك الاستيفاء ليتمكن من إقامة ما عليه من فعل الرد وصفة الضرورة تندفع بحقيقة الاستيفاء، فلا ضرورة إلى اعتبار الإقرار بالاستيفاء.

وكذلك الجواب فيما إذا قضى القاضي بالقيمة، ثم أقر الغاصب بقبض القيمة، وكذلك لو أقر الأول بقبض الجارية من الثاني، وأقر أنها ماتت عنده لم يقبل قوله حتى كان للمالك أن يضمن الغاصب الثاني في هذه الوجوه كلها لما ذكرنا، ويرجع الغاصب الثاني على الغاصب الأول بالقيمة؛ لأن إقراره بالاستيفاء صحيح في حقه إن لم يصح في حق المالك.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» أيضاً: رجل غصب من آخر عبداً، ثم استأجره من المغصوب منه صح؛ لأنه لو اشتراه من المغصوب منه صح، فالإجارة أولى، ويصير

<<  <  ج: ص:  >  >>