للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الخامس والعشرون: في وقف الكفار]

في «فتاوي أبي الليث» : نصراني وقف ضيعة له على أولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا وجعل آخره للفقراء كما هو الرسم، فأسلم بعض أولاده يعطى له؛ لأن الوقف حصل باسم الأولاد، وهذا الاسم باقي بعد الإسلام، فيه أيضاً: نصراني وقف ضيعة له على أولاده وأولاد أولاده، فإذا انقرضوا فعلى فقراء المسلمين، فهذا الوقف جائز لأن هذا مما يتقرب به أهل الذمة، فالوقف على ما هو قربة عندنا وعندهم جائز، وكذلك إذا قال: فإذا انقرضوا فعلى الفقراء جاز، فإذا انقرضوا صرف إلى المسلمين؛ لأن حق فقراء المسلمين أقوى بشرف الإسلام فيتعينون عند الاطلاق، ولو قال: إذا انقرضوا فعلى فقراء النصارى لا يجوز هذا الوقف؛ لأنه وقف على فقراء النصارى والوقف على فقراء النصارى لا يجوز، أما عند أبي حنيفة؛ فلأنه لا يرى الوقف إلا بطريق الوصية أو مضافاً إلى ما بعد الموت ولم يوجد ذلك هنا، وأما على قولهما؛ فلأن هذا معصية في حقنا.

وذكر الخصاف في «وقفه» : إذا وقف الرجل من أهل الذمة نصرانياً كان أو مجوسياً أرضاً له أو داراً له على ولده وولد ولده أبداً ما تناسلوا، ومن بعدهم على المساكين فهو جائز، فإن لم يسم الواقف المساكين؛ فأي المساكين فرق ذلك منهم؛ مساكين المسلمين أو مساكين أهل الذمة جاز، وإن قال: على مساكين أهل الذمة ففرق القيم في مساكين اليهود أو النصارى أو المجوس جاز ذلك، وإن قال: على فقراء النصارى فهو جائز ويفرق على فقراء النصارى، ولو فرق القيم في فقراء المجوس أو اليهود فهو مخالف ضامن، وإن كان الواقف نصرانياً وقال: تجعل غلة هذا الوقف في فقراء اليهود والمجوس فهو جائز وهو على ما قال، فما ذكره الخصاف في هذه المسائل بخلاف المذكور في «الفتاوي» .

وقد ذكر في كتاب «الوصايا والزيادات» : أن وصايا أهل الذمة أنواع: نوع هو معصية عندهم قربه عندنا، وأجاب أن الوصية باطلة إلا إذا حصلت لأقوام بأعيانهم ويكون ذلك تمليكاً منهم، ونوع هو قربة عندهم معصية عندنا، وهذا الوصية صحيحة عند أبي حنيفة على كل حال، وعندهما باطلة إلا إذا حصلت الأقوام بأعيانهم، والوقف نظير في الوصية، فما ذكره الخصاف في الوقف يكون قول أبي حنيفة على قياس مسألة الوصية، وما ذكر في الفتاوي يكون قولهما على قياس مسألة الوصية، ولو جعل الذمي داره بيعة (٢٨أ٣) أو كنيسة أو بيت نار في صحته ثم مات يصير ميراثاً لورثته، هكذا ذكر الخصاف في «وقفه» ، وهكذا ذكر محمد في «الزيادات» وهذا لا يشكل على قولهما؛ لأنه معصية عندنا، ولهذا لو أوصى به لا يصح فكذا إذا فعل في حياته، وإنما يشكل على أبي حنيفة لا يعامل معهم بناء على اعتقادهم، ألا ترى لو أوصى به صح عند أبي حنيفة رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>