للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثالث: في قبض المبيع بإذن البائع وبغير إذنه في تصرف أحد المتعاقدين في المبيع قبل القبض، وفيما يلزم المتعاقدين في المؤونة في تسليم المبيع، وفي تسليم الثمن]

قال أصحابنا رحمهم الله: وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن إذا كان الثمن مالاً؛ لأن البائع عين حق المشتري في المبيع، فيجب على المشتري تعيين حق البائع في الثمن تحقيقا للتساوي بينهما، ثم تعيين النقود بالقبض، فيجب تقديم القبض في الثمن تعييناً لحق البائع، ولو وقع البيع عينا بعين أو دينا بدين سلما معا؛ إذ لا مزية لأحدهما على الآخر، وإن كان الثمن مؤجلا لم يمكن له حق الحبس؛ لأن حق الحبس إنما يثبت للبائع تحقيقا للتسوية بينهما، وقد سقط حق البائع في المساواة بحكم التأجيل، فيسقط حقه في الحبس ضرورة، ولو كان بعض الثمن حالا وبعضه مؤجلا فله حبسه حتى يستوفي الحال اعتبارا للبعض بالكل، ولو بقي من الثمن شيء قليل كان له حبس جميع المبيع؛ لأن حق الحبس لا يتجزأ، ولو دفع بالثمن هنا أو كفل به كفيلاً لم يسقط حق البائع لأنه وثيقة، والوثيقة توجب تأكيد الأصل، فكان حق البائع في الثمن قائما قبل المشتري فيبقى له حق الحبس، ولو أحال المشتري البائع على غريم له بالثمن لا يبطل حق البائع في الحبس، ولو أحال البائع غريماً من غرمائه على المشتري حوالةً مقيدة بالثمن يبطل حقه بالحبس، هكذا ذكر المسألة في «الزيادات» : ووجه ذلك أن سقوط حق البائع بالحبس يتعلق بسقوط حقه عن المطالبة بالثمن لا ببراءة المشتري عن الثمن، بدليل أن الثمن إذا كان مؤجلا سقط حق البائع في الحبس؛ وإن بقي الثمن في ذمة المشتري، فإذا أحال المشتري البائع على غريم من غرمائه لم يسقط حق البائع عن المطالبة بالثمن، ولكن عين المشتري في حق تحمل هذه المطالبة، فلهذا لا يسقط حق البائع عن المطالبة بالثمن فيسقط حقه في الحبس.

وفي «القدوري» : إذا أحال المشتري البائع بالثمن على إنسان أو أحال البائع رجلا على المشتري سقط حق البائع في الحبس في قول أبي يوسف، وقال محمد: إذا أحال المشتري البائع بالثمن على إنسان لم يسقط حق البائع في الحبس، ولو أحال البائع رجلا سقط حقه. وتبين لما ذكر «القدوري» أن ما ذكر في «الزيادات» قول محمد وأبي يوسف إلى جانب ابني المشتري، وقال: ذمة المشتري برئت عن الثمن بالحوالة فتعتبر بالأداء، ومحمد نظر إلى جانب البائع، وقال: إن حق البائع إنما ثبت في الحبس لتعيين حقه في الثمن، فما دام حقه في المطالبة فإنما يبقى حقه في الحبس، فإذا أحال البائع رجلا على

<<  <  ج: ص:  >  >>