للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هلاك أحدهما يوجب نقصاناً في مالية القائم، والهلاك كان في ضمان البائع، فجعل كأن انتقاض مال القائم حصل في ضمان البائع، والتعييب ينتقص المالية، والاستهلاك يفوت المالية، وهما في المالية كشيء واحد، فأوجب ذلك تعييباً في الآخر مقبوضاً، فصار بحكم التعييب، واسترداد البائع يلاقي الصورة، فاعتبرا فيه بالثوبين، والإذن في قبض أحدهما إنما كان لإيصال المشتري إلى منفعة ملكه، وهما فيه كشيء واحد؛ وجناية البائع بإذن المشتري بمنزلة جناية المشتري بنفسه لكن برضا البائع، وجناية المشتري بنفسه على أحدهما بإذن البائع؛ لأن ذلك تعييب أو إتلاف للمالية، وهما في ذلك كشيء واحد، فيوجب ذلك قبض الآخر وبطلان حق الحبس لرضا البائع بقبضهما، فكذا جناية البائع بإذن المشتري على أحدهما، فإذا منع البائع بعد ذلك صار غاصباً والغصب يلاقي الصورة، فاعتبرا فيه بالثوبين والعبدين، فلم يصر غصب أحدهما غصباً للآخر وخيار الرؤية إنما يثبت باعتبار الجهل بأوصاف المعقود عليه، فإنما يبطل بالعيان الذي يدرك به معرفة الأوصاف، والعيان يلاقي الصورة فاعتبرا فيه بالثوبين، وإذا أحدث عيباً بأحدهما، فذلك يوجب نقصاناً في مالية الآخر، فيبطل خيار العيب والرؤية فيهما؛ لأن شرط الرد بخيار الرؤية على الوجه الذي خرج عن ملك البائع واستهلاك الأجنبي أحدهما يوجب نقصاناً وخللاً في مالية الآخر، فكان بمنزلة من عيب دابة غيره أو ثوب غيره عيباً فاحشاً، وهناك كان لصاحبه أن يضمنه قيمة الكل ويسلم إليه المعيب كذا ههنا.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل اشترى من رجل جارية بألف درهم ولم ينقد ثمنها حتى قبضها بغير إذن البائع وباعها من رجل بمئة درهم وتقابضا وغاب المشتري الأول وحضر بائعه، وأراد استرداد الجارية من المشتري الآخر، فإن أقر المشتري في الآخر أن الأمر كان وضعه البائع كان للبائع الأول أن يستردها منه؛ لأن المشتري الآخر أقر بثبوت حق الاسترداد للبائع في ملكه فصح إقراره، وإذا استردها بطل البيع الثاني؛ لأن البيع الأول أبطل قبض المشتري الأول بحق سابق على قبضه فانتقض قبضه من الأصل.

وإن كذب المشتري الآخر البائع الأول فيما قال أو قالت: لا أدري أحق ما قال أو باطل لا خصومة بينهما حتى يحضر الغائب؛ لأن الجارية صارت مملوكة للمشتري الآخر والبائع الأول مقر بذلك ثم هو يدعي على البائع حقاً، فلا يصدق إلا بحجة والحجة لا تسمع على الغائب إلا إذا كان عن خصم حاضر، والمشتري الثاني ليس بخصم عن الأول، فإن حضر الغائب وصدق البائع الأول فيما قال لا يصدق على المشتري الآخر، وإن كذبة يقال للبائع الأول: أقم البينة على أنه ما غيب، فإن أقام البينة بمحضر من المشتري الأول والثاني ردها القاضي على البائع الأول وانتقض البيع الثاني لما مر، إلا أن ينقد المشتري الأول الثمن قبل الرد على البائع الأول، فحينئذ لا يردها القاضي على البائع الأول؛ لأن حق البائع الأول في الاسترداد، إنما يثبت له حق الاسترداد حبساً للجارية بالثمن، فإذا سلم له الثمن لو بقي له حق الاسترداد يبقى مقصوداً وهذا مما لا وجه له.

<<  <  ج: ص:  >  >>