للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرق بين هذا وبين ما لو أسلم عبداً في كر حنطة إلى أجل، ثم هلك العبد، ثم تقايلا على المسلم فيه ثمَّ يجوز، والفرق وهو: أن المسلم فيه مبيع بدليل عكس ماذكرنا من الأحكام ولما كان كذلك كان هذا بيع العرض بالعرض فهلاك أحدهما لا يمنع صحة الإقالة، أما ههنا بخلافه على ما مر.

وإذا اشترى عبداً بدراهم وتقابضا، ثم تقايلا بعد ما هلك العبد، فالإقالة باطلة؛ لأن الدراهم ثمن من كل وجه فلا يبقى العقد ببقائها، ولو صح ما ذكرنا أن الثمن إنما يثبت له حكم الوجود في الذمة بالعقد، وما يكون وجوده بالعقد كان حكماً للعقد، وحكم العقد لا يكون محلاً للعقد؛ لأن محل العقد وشرط الشيء يسبقه وحكم الشيء يعقبه وبينهما تنافي.

ولو اشترى عبداً بنقرة فضة إن كانت النقرة بغير عينها فكذلك الجواب، وإن كان بعينها لم تنتقض الإقالة بهلاك العبد لما مر، وإذا لم تنتقض الإقالة كان على الذي هلك العبد في يده قيمته دراهم أو دنانير.

فرق بين هذا وبينما إذا كانت الإقالة على النقرة بعينها بعد هلاك العبد، فإن هناك قال: يقضي بالدنانير خاصة، والفرق وهو: أن ههنا الإقالة صحت على النقرة وعلى العبد، والربا لا يجري بين العبد والنقرة وهذه الحالة، وهو حال وجوب قيمة العبد حال بقاء الإقالة لا يجري الربا إذ الموجود في حالة البقاء ليس إلا القبض الذي له شبه بالعقد وأثره في إيجاب التصدق لا في جريان الربا، ووجوب التصدق حكم شيء بينه وبين ربه لا يدخل تحت القضاء فلم يجب القضاء بخلاف الجنس تحرزاً عن هذه الشبهة التي لا تدخل لها في القضاء لكن قيل: إن قضى بخلاف جنسه لا يجب عليه التصدق بشيء، وإن قضى بجنسه تصدق بالفضل تحرزاً عن الشبهة.

كما لو اشترى عبداً قيمته ألفا درهم فقتل العبد قبل القبض وأختار المشتري أخذ القيمة قضى القاضي بالقيمة دنانير أو دراهم، لكن إن قضى بالقيمة دراهم بالفضل وإن قضى بالقيمة دنانير لم يتصدق بشيء كذا ههنا، أما فيما سبق الحال ابتداء الإقالة، فالإقالة عقد جديد في حق الثالث وحرمة الربا حق الشرع فصار في حق الشرع بمنزلة عقد مبتدأ على النقرة وعلى قيمة العبد، وفي حالة الابتداء يجري الربا وإنه يدخل تحت الحكم فيقضى بالدنانير تحرزاً عن الربا.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله: رجل اشترى عبداً بألف درهم فلم يقبضه حتى قال المشتري للبائع: بعه فقيل هل يكون هذا نقضاً للبيع، فقد ذكرنا هذه المسألة مع أجناس في صدر هذا الكتاب إلا أن موضوع المسألة فيما وضع محمد رحمه الله ثمة أن المشتري، قال للبائع: بعه فقيل، ثم باعه فهو مناقضة للبيع الأول، وموضوع المسألة ههنا أن المشتري قال للبائع: بعني فقيل هو مناقضة للبيع.

وعنه في رجل اشترى من رجل عبداً فلم يقبضه حتى سأله البائع أن يبيعه إياه بألف درهم ففعل، لم تكن هذا مناقضة للبيع الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>