للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلم حنطة لرب السلم، فأما إذا كانت مكال المسلم إليه السلم فيها بأمره هل يصير رب السلم قابضاً؟ فلا رواية في هذا الفصل، وقد قيل: لا يصير قابضاً. قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: ولا يصح عندي أنه يصير قابضاً، ثم فرق بين السلم وبين مسألتين أخريين ذكر أحديهما في كتاب الصرف، والأخرى في كتاب المزارعة.

أما التي ذكرها في كتاب الصرف: إذا دفع درهماً إلى صانع وقال له: زد من عندك درهماً بمالي بكذا ففعل، فإن الآمر يصير قابضاً للدرهم الزائد الذي صار مستقرضاً من الصانع حكماً لاتصاله بماله، وإن كان الآمر بالخلط في حق الزيادة لا في ملك الصانع؛ لأنه في حق الدرهم المدفوع لا في ملك الأمر، وههنا قال: لا يصير قابضاً، وإن صح الأمر باعتبار الغرائر؛ لأنه ملك الأمران لم يصح باعتبار الحنطة.

وأما التي ذكرها في المزارعة إذا قال لآخر: ازرع أرضي ببذرك على أن الخارج كله لي فبذر، فإنه يصير مقرضاً البذر من الآمر، ثم الآمر يصير قابضاً البذر حكماً لاتصاله بملكه، وإن كان الأمر في حق الحنطة لا في ملك المأمور؛ لأنه باعتبار الأرض لا في ملك الآمر.

ووجه الفرق بينهما: هو أن الأمر في مسألة الخاتم وفي مسألة المزارعة صح في حق الدرهم المدفوع وفي حق الأرض؛ لأنه لا في ملك الآمر على ما مر، وصار فعل المأمور منقولاً إلى الآمر؛ لأن المأمور عامل له بأمره؛ لأنه أمره بالحنطة في أرضه، وهذا سبب ملك لو وجد من الآمر، فإن خلط الجنس بالجنس سبب ملك، وكذا إلقاء حنطة الغير في أرضه سبب ملك، وإذا كان سبب ملك لو وجد من الآمر كان لا الآمر أمر المأمور بأن يباشر له سبب ملك، فيكون آمراً عاملاً له (١٢٨أ٣) بأمره بالشراء فاشترى، وإذا صار عاملاً له بأمره وقد صح الاعتبار بملكه صار فعله منقولاً إليه حكماً فكان بمنزلة ما لو فعل بنفسه، ولو فعل بنفسه صار قابضاً فكذلك هذا، فأما في مسألتنا هذه فالأمر بجعل الحنطة في غرائره إن صح باعتبار الغرائر؛ لأنه يتصرف في ملكه، إلا أن فعله لم يصر منقولاً إليه، وإن كان عاملاً بأمره؛ لأنه عامل لنفسه؛ لأن جعل الحنطة في الغرائر ليس بسبب ملك الأمر لا قبل التسليم ولا بعد التسليم قبل السلم فلا إشكال بعده؛ فلأنه لا يملكه بحمله في الغرائر، وإنما يملكه بالأخذ قبل الجعل في الغرائر، وإذا لم يكن الوضع في الغرائر سبب ملك الآمر لا يمكننا أن نجعله عاملاً للآمر من حيث أنه يباشر له سبب ملك أمره، بقي عاملاً لنفسه بهذا الوضع من حيث إنه جعل غرائره مشغولاً بحنطة نفسه وصار مستعير الغرائر على ما مر، وعمل المستعير لا يصير منقولاً إلى الآمر وإن عمل بأمره، وإذا لم يصر منقولاً صار الحال بعد الأمر كالحال قبله.

وصار قياس مسألتنا من مسألة المزارعة أن لو قال له: أقرضني كر حنطة وألقه في ناحية من أرضي جملة، فألقاه في ناحية من الأرض جملة، لا يصير قابضاً وإن صح الأمر من حيث التصرف في الأرض؛ لأن الإلقاء جملة في ناحية من الأرض ليس بسبب ملك حتى يصير عاملاً للأمر بمباشرة ما هو سبب ملك له فيبقى عاملاً لنفسه من حيث إنه

<<  <  ج: ص:  >  >>