للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لأن الشراء بالمستحق شراء فاسد، ولهذا لا يفيد الملك في بذل المستحق إلا بالقبض ولا شفعة في الشراء الفاسد، فظهر أن القاضي أخطأ في قضائه حيث قضى بالشفعة ولا شفعة، فيرد قضاؤه وذلك يرد حكمه، فلهذا قال يسترد الدار من يد الشفيع.

فإن قيل: ينبغي أن لا يسترد الدار، وإن ظهر أنه لم يكن له الشفعة عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن القضاء بالشفعة قضاء بالشراء، والقاضي متى قضي بالشراء للإنسان ثبت الشراء بقضائه وإن لم يكن بينهما شراء.

قلنا: القضاء بالشفعة قضاء (١٧٧أ٣) بالشراء من وجه قضاء بالملك المرسل من وجه لما ذكرنا أن الأخذ بالشفعة بمنزلة الاستحقاق من وجه من حيث إن الشفيع يأخذ الدار من غير رضا المشتري بحق سابق والقضاء بالشراء إن كان ينفذ ظاهراً وباطناً عند أبي حنيفة، فالقضاء بالملك المرسل لا ينفذ باطناً، فلا ينفذ القضاء بالشفعة ظاهراً أو باطناً بالشك.

فلهذا قال: يسترد الدار من يد البائع، هذا إذا أخذ الشفيع الدار بقيمة العبد بقضاء القاضي، وإن كان المشتري قد سلم الدار إلى الشفيع بقيمة العبد بقضاء القاضي، وإن كان المشتري قد سلم الدار إلى الشفيع بقيمة العبد بغير قضاء إن كان قد سمى الشفيع قيمة العبد كذا كذا حتى صار الثمن معلوماً من كل وجه.

ثم استحق العبد ليس للمشتري على الدار سبيل ويجعل ذلك بيعاً مبتدأ لوجود حده وهو التملك والتمليك بالتراضي، لما تبين أنه لم يكن له شفعة، ويكون للبائع على المشتري قيمة الدار؛ لأن باستحقاق العبد تبين أن الشراء وقع فاسداً.

وإذا باع ما اشترى نفذ بيعه ويضمن للبائع قيمة ما اشترى، وإن لم يكن سمى للشفيع قيمة العبد كذا وكذا، ولكن قال سلمت الدار لك بقيمة العبد كان للمشتري أن يسترد الدار من الشفيع.

إذا اشترى داراً بعبد وهلك العبد في يد البائع قبل التسليم إلى المشتري كان للشفيع أن يأخذ الدار بالشفعة؛ وهذا لأن بهلاك العبد وإن فسد البيع لما عرف أن هناك أحد البدلين في بيع المقايضة يوجب فساد العقد، إلا أنه إنما فسد البيع بعد وقوعه بوصف الصحة، وإنه لا ينافي حق الشفعة ولو لم يمت العبد حتى أخذ الشفيع الدار بقيمة العبد إن أخذها من البائع لم يبق للبائع على العبد الذي جعله المشتري ثمناً لهذه الدار سبيل؛ لأن يأخذ الشفيع الدار من البائع ينفسخ شراء المشتري، وإن أخذها من المشتري ثم مات العبد في يد البائع قبل التسليم إلى المشتري، فالقيمة التي أخذها المشتري من الشفيع تكون للبائع.

وإذا اشترى داراً بعبد غيره، وأجاز صاحب العبد الشراء، فللشفيع الشفعة؛ لأن الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء ويأخذها بالشفعة بقيمة العبد لما ذكرنا، وإذا وقع الشراء بمكيل أو موزون بعينه واستحق المكيل أو الموزون فقد بطلت الشفعة؛ لأن المكيل أو الموزون إذا كان بعينه فهو والعبد سواء، وإن كان المكيل أو الموزون في

<<  <  ج: ص:  >  >>