للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلاً يكتب له ذلك لا يحَل له أن يعطي أجر الكاتب من مال المسجد؛ لأن الحفظ عليه ونفع الكتابة راجع إليه.

ولو استأجر رجلاً ليكنَس المسجد، ويغلق الباب ويفتحه بمال المسجد جاز؛ لأنه ليس على المتولي ذلك، أما حفظ الرجل والخرج عليه.

نوع آخر في الاستئجار على المعاصي

إذا استأجر الرجل حمالاً ليحمل له خمراً، فله الأجر في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا أجر له.

فوجه قولهما: أن حمل الخمر معصية؛ لأن الخمر يحمل للشرب والشرب معصية، وقد «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الخمر والمحمول إليه» ، وذلك يدل على كون الحمل معصية، وأبو حنيفة رحمه الله يقول يحمل للإراقة وللتخليل كما يحمل للشرب، فلم يكن متعيناً للمعصية، فيجوز الاستئجار عليه.

قال القدوري في «كتابه» : قال محمد رحمه الله: ابتلينا بمسألة ميت مات من المشركين، فاستأجروا له من يحمله إلى بلدة أخرى، قال أبو يوسف: لا أجر له، وقلت أنا: إن كان الحمال يعرف أنه جيفة فلا أجر له وإن لم يعلم فله الأجر، قال أبو يوسف: وهذا بخلاف ما لو استأجر لنقله إلى مقبرة البلدة حيث يجوز؛ لأن ذلك لدفع أذيته عنهم فصار كاستئجار الكناس واستئجار المسلم ليخرج له حماراً ميتاً من داره.

وفي «فتاوى أبي الليث» : إذا أجر نفسه من المجوسي ليوقد له ناراً فلا بأس به، فأبو حنيفة سوّى بين هذا وبينما إذا أجر نفسه من ذمّي ليحمل له خمراً، وهما فرقا بين المسألتين.

ووجه الفرق: أن التصرف في النار والانتفاع بها جائز في الجملة، ولا كذلك التصرف في الخمر والانتفاع بها.

وفي «العيون» : لو استأجر رجلاً ينحت له أصناماً أو يزخرف له بيتاً بتماثيل والأصباغ من رب البيت فلا أجر؛ لأن فعله معصية، وكذلك لو استأجر نائحة أو مغنية فلا أجر لها؛ لأن فعلها معصية.

وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إذا استأجر رجلاً ينحت له طنبوراً أو بربطا ففعل يطيب له الأجر إلا أنه يأثم في الإعانة على المعصية، وإنما وجب الأجر في هذه المسألة ولم يجب في نحت الصنم؛ لأن جهة المعصية ثمة مستغنية؛ لأن الصنم لا ينحت إلا للمعصية

<<  <  ج: ص:  >  >>