للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو استأجره القاضي لإقامة الحدود خاصّة أو لاستيفاء القصاص خاصة إن لم يذكر لذلك مدّة لا شك أنه لا يجوز، وإن ذكر لذلك مدّة لم يذكر محمّد رحمه الله في «الكتاب» هذا الفصل، وذكر الشيخ أبو الحسن الكرخي في كتابه أنه يجوز، وإليه مال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني، والشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي في «شرح كتاب الإجارات» .

وذكر الشيخ الإمام الأجل شيخ الإسلام المعروف بخواهرزاده في «شرح كتاب الإجارات» أنه لا يجوز، وإنما اختلفوا لاختلافهم في علة عدم الجواز إذا لم يذكر لذلك مّدة فالكرخي ومن تابعه قالوا: إذا لم يذكر لذلك من مدّة إنما لا يجوز؛ لأن المعقود عليه العمل وإنه مجهول لا يدري كم يوجد ومع الجهالة (٣٢أ٤) فيه خطر لا يدري أيوجد أو لا يوجد، وهذا المعنى لا يتأتى فيما إذا ذكر لذلك مّدة؛ لأن عند ذكر المّدة المعقود عليه تسليم النفس لا العمل، والشيخ الإمام الأجل شيخ الإسلام قال: إذا لم يذكر لذلك مدة إنما لا يجوز إما لإقامة الحدود، فلأنها طاعة والاستئجار على الطاعة لا يجوز وإن ذكر لذلك مّدة.

كما لو استأجر رجلاً سنة ليعلم ولده القرآن، وإما لاستيفاء القصاص إنما لا يجوز كيلا يصير الأجير كالمستوفي لنفسه من وجه متى استحق ما رآه أمراً، وسيقرر هذا إن شاء الله تعالى هذا المعنى موجود فيما إذا ذكر لذلك مّدة وإذا قضى القاضي لرجل على يد رجل بالقصاص في النفس، فاستأجر المقضي له رجلاً ليستوفي ذلك على قول أبي حنيفة وأبي يوسف لا يجوز وعلى قول محمد يجوز وفيما دون النفس تجوز الإجارة بالإجماع.

محمد رحمه الله يقول: استأجره لعمل معلوم وهو حز الرقبة، فوجب أن يجوز قياساً على ما لو استأجر لذبح شاة له أو استأجره لاستيفاء القصاص فيما دون النفس.

وأبو حنيفة وأبو يوسف ذهبا في ذلك إلى أن القصاص فيما لا يجري فيه التمليك، فإنه لو وهب من غير القاتل أو باع لم يجز ومتى انعقدت الإجارة على القتل ووجب البدل له، إما المسمى، أو أجر المثل يثبت التمليك من حيث المعنى؛ لأن الأجير فيما يعمل كالعامل لنفسه من حيث إنه يأخذ لذلك أجراً فيصير من وجه كالمستوفي لنفسه، فيحصل له نوع ملك والقتل لا يقبل ذلك، فلم يجب البدل حتى يصير معيناً له في القتل من كل وجه فلا يثبت له معنى التمليك، وهذا معنى ما يقول في «الكتاب» : إن القتل ليس بعمل أي: ليس بعمل يجوز فيه أخذ الأجر عليه، فأما لا شك أنه عمل في نفسه بخلاف الذبح؛ لأنه متى استحق به أجر ثبت الملك من حيث المعنى أكثر ما في الباب أنه يصير كالذابح لنفسه من وجه، ولكن الذبح لنفسه من كل وجه من جهته جائز بأن ملك الشاة منه فكذا يجوز من وجه، بأن استأجره للذبح بخلاف القصاص فيما دون النفس؛ لأن له حكم المال حتى جاز للوصي استيفاؤه وجاز القضاء بالنكول عند أبي حنيفة رحمه الله واعتبر فيه التساوي والتكافؤ ولو كان مالاً من كل وجه جاز التمليك من كل وجه.

فإذا كان له حكم المال من وجه جاز التمليك من وجه بخلاف القصاص في

<<  <  ج: ص:  >  >>