للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القضاء بعقد واحد، فأما محمد رحمه الله يحتاج إلى الفرق، ووجه الفرق أنه إنما يقضى بعقدين إذا أمكن (و) القضاء بهما غير ممكن؛ لأن للمنافع حكم العين فمتى صار مستحقاً بعقد لا يمكن أن يجعل مستحقاً بعقد آخر ومنافع هذه الدابة إلى القصر صار مستحقاً بعقد فلا يمكن أن يجعل مستحقاً بعقد آخر فيتعذر القضاء بالعقدين ها هنا.

فأما في باب السلم فرأس المال والمسلم فيه دين ومحل الدين الذمة وفي الذمة سعة فكان القضاء بالعقدين ممكناً فقضينا بهما عملاً بالبينتين.

وإذا استأجر الرجل من آخر دابة ودفعها إليه بغير سرج ولا لجام، وقال: أكريتك عرياناً ولم أكرك بسرج ولا لجام، وقال المستكري: استكريتك بسرج ولجام كان القول قول صاحب الدابة؛ لأنه لو أنكر الإجارة أصلاً كان القول قوله، فكذا إذا أقر بإجارة الدابة وأنكر إجارة السرج والإكاف وهذا بخلاف المسألة الأولى قال: ثمة يتحالفان وهنا قال: لا يتحالفان.

ووجه الفرق بينهما أن في المسألة الأولى اختلفا في بدل المعقود عليه والاختلاف في بدل المعقود عليه يوجب التحالف، فأما في مسألتنا لم يختلفا في بدل المعقود عليه ولا في المعقود عليه بل اختلفا في بيع من توابع المعقود عليه، فكان بمنزلة ما لو اختلفا في بيع العين في شرط يلحق به وثمة لا يتحالفان؛ لأن المشروط اتباع فكذلك هذا.

وإذا تكارى الرجل: دواب من بغداد إلى مدينة الري بأعيانها كانت الإجارة جائزة؛ لأن المعقود عليه معلوم والأجر معلوم، فجازت الإجارة وإنما شرط مدينة الري؛ لأنه لو استأجرها إلى الري كان لا تصح الإجارة على ما يذكره في ظاهر الرواية؛ لأن اسم الري يشتمل على المدينة وعلى الرستاق فإن جوار الري يسمى رياً وهي من مدينة الري بمراحل، وكان بمنزلة من استأجر دابة إلى خراسان لم يجز؛ لأن خراسان تشتمل على أمصار كثيرة فكذلك هذا.

وإذا جازت الإجارة لو أن المكاري باع هذه الدواب من غيره أو وهب أو تصدق أو أجر أو أعار أو أودع فجاء المستكري ووجد الدواب في يد غيره، فأراد أن يقيم البينة على إجارته هل تقبل بينته؟ فهذا على وجهين:

إما أن يكون المكاري حاضراً أو غائباً فإن كان المكاري حاضراً فإنه يقبل بينته عليه، وإن كان يقر أنه أجرها منه، لأن بينة المستأجر قامت على خصم حاضر؛ لأن المستأجر مع الذي في يده الدابة تصادقا أن الملك في الدابة كان للمكاري، والمكاري صدقهما في ذلك فيثبت الملك للمكاري في الدابة بتصادقهم جميعاً فكان المكاري خصماً للمستأجر فتقبل بينته عليه فإن قيل: كيف تقبل بينته والمكاري يقر أنه أجر هذه الدواب منه أولاً كما يدعيه المستكري والبينة لا تقبل على المقر قلنا: المكاري وإن أقر بذلك إلا أنه لم يصح إقراره بحق ذي اليد، وإذا لم يصح إقراره صار وجود هذا الإقرار منه وعدمه بمنزلة.

ونظير هذا ما قالوا فيمن باع من آخر شيئاً ثم ادعى البائع أنه كان باع من غيره أولاً

<<  <  ج: ص:  >  >>