للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضمين القابض، فإن أقام المدعي البينة أن ما قبض كان له أو أقرَّ القابض بذلك أن كان ما قبض قائماً بعينه في يد القابض، كان للمدعي أن يأخذه؛ لأنه وجد عين ماله وإن كان مستهلكاً كان المالك بالخيار إن شاء ضمن القابض وإن شاء ضمن الراعي أما تضمين الراعي فلا إشكال؛ لأنه دفع ماله إلى غيره، وأما القابض فتضمينه مشكل على قول أبي حنيفة؛ لأن الراعي دفع إليه على سبيل الإيداع. ومن مذهبه أن مودع المودع لا يضمن، إنما كان كذلك؛ لأنه وضع المسألة إن استهلكها المدفوع إليه، ومودع المودع يضمن إذا استهلك عندهم جميعاً، إنما الخلاف فيما إذا هلك في يده، وإذا رعى الراعي في مكان لم يؤذن بالرعي فيه، هل يستحق الأجر؟ فهذا على وجهين:

إما إن عطبت الغنم أو سلمت فإن عطبت فإنه لا أجر عليه؛ لأنها لما عطبت الغنم صار ضامناً، فصار الغنم ملكاً له من وقت الخلاف فصار راعياً ملك نفسه، فلا يستحق الأجر.

وإن سلمت فالقياس أن لا يستحق الأجر. وفي الاستحسان يستحق الأجر.

وجه القياس في ذلك أنه خالف فلا يستحق الأجر، وإن لم يضمن قياساً على ما لو استأجر دابة لتذهب في مكان كذا، فذهب بها في مكان آخر، وسلمت الدابة فإنه لا أجر عليه، وإن لم يضمن فكذلك هذا.

ووجه الاستحسان أن الراعي فيما صنع موافق من وجه مخالف من وجه؛ لأنه موافق في الأصل المعقود عليه مخالف في الصفة؛ لأن التفاوت بين المكانين في حق الرعي تفاوت يسير فلا يلحقها بجنسين مختلفين، ولهذا قيل بأن الإجارة صحيحة وإن لم يبين المكان وإذا لم يلتحقا بجنسين مختلفين بسبب التفاوت مع الجنس واحداً، إنما اختلفا في الصفة لا غير، فإن الرعي في بعض الأمكنة ربما يكون أجود، وكان موافقاً في حق الأصل مخالفاً في حق الصفة والعمل بهما في حالة واحدة متعذر؛ لأن أحدهما يوجب الأجر والآخر يمنع ولم يوجب فعملها في حالين. إن لم يسلم عملنا بجانب الخلاف، وأوجبنا الضمان ولم يوجب الأجر، وإن سلم عملنا بجانب الموافقة وأوجبنا الأجر، فأما في باب الدابة فالمستأجر مخالف من كل وجه؛ لأن الطرق في حق الركوب متفاوتة تفاوتاً فاحشاً، رب طريق يفسد الدابة يوماً يسير فيه لصعوبته، ورب طريق لا يفسدها بالسير فيه شهراً لسهولته، فالتحقا بجنسين مختلفين باعتبار التفاوت، وإن جمعهما اسم واحد وهو الركوب واختلاف المجانسة بين الشيئين متى بدت بسبب التفاوت دون الاسم، كاختلاف المجانسة الثانية من حيث الحقيقة.

ولو استوفى جنساً آخر حقيقة، بأن استأجر دابة للركوب فاستخدم عبده، أو لبس ثوبه لا أجر عليه سلم أو لم يسلم، فكذلك هذا.

فإن قيل: هذا يشكل بما لو دفع ماله إلى رجل مضاربة على أن يعمل به في الكوفة فأخرجه من الكوفة، فباع واشترى حتى ربح، فإن المضاربة فاسدة، ويضمن.

وهذا موافق من وجه مخالف من وجه؛ لأن التفاوت بين الأماكن في حق التجارة تفاوت يسير، ولهذا صحت المضاربة من غير بيان المكان، ومع هذا قال: بأنه إذا تصرف

<<  <  ج: ص:  >  >>