للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينه وبينهم عداوة ظاهرة، ولا يتحامل هو عليهم، يعني: لا يكون يده فوق أيديهم بنحو أن لا يعطى الجباية وما أشبهه، وهو اختيار أبي علي النسفي، ورواه عن محمد، وذكر من جملة من يسأل عنه رفيق الشاهد وقريبه، فقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا كان في المرء ثلاث خصال فلا تشكوا في صلاحه إذا حمده ذوو قرابته، وجاره، ورفيقه.

وإن لم يجد في جيرانه، وأهل سوقه من يصلح للتعديل، يسأل أهل محلته، وإن وجد كلهم غير ثقات يعتمد في ذلك تواتر الأخبار، وكذلك إذا سأل جيرانه، أو أهل محلته، وهم غير ثقات، فاتفقوا على تعديله أو جرحه، ووقع في قلبه صدقه كان ذلك بمنزلة تواتر الأخبار، وإن أخبر بعضهم بعدالته وبعضهم بجرحه، فالحكم فيه كالحكم في اختلاف المزكي في التعديل والجرح، وسيأتي بيان ذلك بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وإن كان الشاهد غريباً لا يعرف إذا سأل عنه في السر، فالقاضي يسأل الشاهد عن معارفه، فإذا سماهم سأل عن معارفه في السر حتى يظهر عنده أنهم هل يصلحون للتعريف، فإن عدلوا سأل عنهم عن الشاهد، واعتمد على خبرهم في الجرح والتعديل، ولا يوقف فيه، وسأل عن العدل الذي في بلدته، إن كان في ولاية هذا القاضي وإن لم يكن كتب إلى قاضي ولايته تعرف عن حاله.

قال هشام: سألت محمداً عن رجل شهد عند القاضي، وهو على رأس خمسين فرسخاً، فبعث القاضي أميناً على جعل يسأل المعدل عن الشاهد، فالجعل على من؟ قال: على المدعي، وهذا ظاهر؛ لأن منفعة عمل الأمين راجعة إلى المدعي.

وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله: لا ينبغي للقاضي أن يسأل عن الشاهد رجلاً له على المشهود له مال، إذا كان المشهود له مفلساً فلسه القاضي، أو ميتاً أقام وصية على غيره بينة؛ لأنه متهم في هذا التعديل بيانه: إذا أظهر عدالة الشهود لزم القاضي القضاء بشهادتهم، وعند ذلك يزول الإفلاس، وزوال الإفلاس يقع في حقه؛ لأن ماله في ذمته بمنزلة النادي زيول ذلك النوي بزوال الإفلاس، ثبت أن في التعديل نفعاً له فكان متهماً فيه.

ونظير هذه رواية في الشاهد، إذا كان له على المشهود له مال، وأنه مفلس أنه لا تقبل شهادته له، لهذه التهمة، وإن لم يكن مفلساً تقبل شهادته له، ويصح تعديله لشهوده؛ لعدم هذه التهمة، إذ لا يثبت بهذه الشهادة أمر لم يكن ثابتاً؛ لأنه كان متمكناً من استيفاء حقه قبل الشهادة وقبل التعديل، حسب تمكنه منه بعد ذلك.

قال: ولو أن غريباً نزل بين ظهراني قوم، وشهد هذا الغريب عند القاضي في حادثة، فسألهم القاضي، أو العدول عن حاله، وقد عرفوه بالصلاح، ولم يظهر منه ما يسقط عدالته هل يسعهم أن يعدلوه؟ كان أبو يوسف رحمه الله أولاً (٨٢أ٤) يقول: إن مكث بينهم ستة أشهر، ولم يعرفوا منه إلا الصلاح، يسعهم أن يعدلوه، وإن كان ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>