للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد تثبت صحة دعوى المدعي بشهادة شهود عدول ولم يثبت بهذا الخبر بطلان دعواه؛ لأنه لا يصلح تعارضاً لشهادتهم، فلهذا قبل القاضي بشهادتهم.

فإن عرف المعدل من الشهود ما هو جرح، فلا ينبغي أن يذكر جرحه صريحاً، بل يذكره بالتعريض أو الكتابة بأن يقول الله أعلم أو ما أشبهه، تحرزاً عن هتك الستر على المسلم بقدر الممكن، وبعض مشايخنا قالوا: لا بد أن يذكر الجرح ويذكر سببه؛ لأن أسباب الجرح كثيرة فلعل أن المعدل ظن شيئاً سبب جرح ولا يكون سبب جرح، فلا بد من البيان لينظر القاضي فيه فإن رآه جرحاً رد شهادته وما لا فلا.

قال: وينبغي للقاضي إذا جرح الشهود أن يكتم الجرح ويقول للمدعي: زد في شهودك احترازاً عن هتك الستر قال بعض مشايخنا على قياس ما ذكر هاهنا: إذا عدل بعض الشهود وجرح البعض ينبغي للقاضي أن يكتب أسماء الذين عدلوا، ويترك أسماء المجروحين في السجل والمحضر؛ لأنه حينئذ يظهر المجروح لا محالة فيهتك ستره، ولكن هذا ليس بصواب؛ لأن الخصم ربما يطعن وعند ذلك يحتاج القاضي إلى معرفة الشهود، فإذا لم تكن أساميهم مذكورة في السجل ولا في الديوان لا تجدهم حتى تتعرف عن حالهم ثانياً، فالصواب كتابة أساميهم، ولكن يكتب أسماء المعدلين لا غير تحرزاً عن هتك الستر بقدر الممكن، وإن كان المعدل لا يعرف الشهود بالعدالة فأخبره رجلان عدلان وسعه أن يعدلهما، هكذا ذكر في كتاب «الأقضية» ؛ لأن خبر العدلين حجة مطلقة يجوز للقاضي أن يقطع الحكم به، فيجوز للمعدل التعديل به.

ألا ترى أنه إذا شهد عند رجل عدلان على النسب وسعه أن يشهد على النسب، فكذا هاهنا قالوا: هذا الاستشهاد مستقيم على ما ذكر محمد رحمه الله في مسألة النسب في الكتب الظاهرة، أما على ما ذكر بشر بن الوليد أن على قول أبي يوسف تجوز الشهادة على النسب بشهادة الرجلين العدلين، ولا تجوز عند أبي حنيفة رحمه الله حتى يسمع من العامة، فهاهنا يجب أن يكون الجواب على الخلاف أيضاً، على قول أبي حنيفة لا يسعه التعديل بإخبار العدلين حتى يسمع ذلك من العامة.

وروى هشام عن محمد رحمه الله مسألة التعديل بإخبار العدلين، وذكر فيها زيادة، فقال: إذا كان اللذان عدلاه يعرفان التعديل وسعه أن يعدله.

وروى إبراهيم عن محمد رجل عدل عند القاضي وأنا لا أعرفه إلا أنه وصف هل يسعني أن أزكيه وقد عرفت أن القاضي زكاه، قال: لا يسعك إلا أن تعرفه.

وإذا شهد شاهدان لرجل على رجل بحق وعدلهما المعدل بعد موتهما فالقاضي يقضي بشهادتهما، وكذلك لو عدلهما بعدما غابا. ولو عدلهما بعدما خرسا أو عييا فالقاضي لا يقضي بشهادتهما، والفرق أن الموت ليس بجرح في الشاهد ألا ترى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موتهم على العدالة، وكذلك من بعدهم وكذلك الغيبة ليست بجرح في الشهادة، فأما الخرس والعمى في معنى الجرح في الشاهد لو اقترن بالأداء يمنع الأداء، فيمنع القضاء أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>