للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيع والطلاق وما أشبهه، لأن الثاني يكون إقراراً بما سبق منه من الإنشاء والمقرّ به ليس غير الأول فأمكن القضاء به بشهادتهما، فأما إذا كانت صيغة الإنشاء والإقرار به مختلفاً، نحو القذف فإنه يقول في إنشاء القذف: يا زاني، وفي الإقرار يقول: قذفت فلاناً بالزنا، فإذا اختلف الشاهدان في الزمان أو المكان فيه لا تقبل شهادتهما عند أبي يوسف ومحمد لما تبين.t

وإن كان المشهود به قولاً كان الفعل شرطاً لصحته كالنكاح، فإنه قول ولكن حضور الشاهدين شرط صحته، وإنه فعل، فإذا اختلف الشاهدان في الأوقات والأماكن فيه، لا يقضي بشهادتهما، لأنه لما لم يتصور وجود النكاح الصحيح إلا بوجود الفعل كان اختلافهما في الزمان والمكان فيه نظير اختلافهما في الزمان والمكان، فيما إذا كان المشهود به فعلاً؛ وقد ذكرنا ثمة أنه لا يجوز القضاء بشهادتهما كذا ههنا.

وإن كان المشهود به فعلاً واختلفا في آلة ذلك الفعل، بأن شهدا بالقتل، غير أن أحدهما شهد بالقتل بالعصا، وشهد الآخر بالقتل بالسيف لا تقبل شهادتهما، لأن المشهود به مختلف، فالقتل بالعصا غير القتل بالسيف حقيقةً وحكماً، واختلافهما في المشهود به يمنع القضاء بشهادتهما.

إذا ثبت هذا جئنا إلى تخريج المسألة فنقول: إذا شهد شاهدان على إقرار الرجل بدين أو قتل أو براءة من مال أو كفالة بمال أو بنفس وأمثالها، واختلفا في الساعات والأيام والشهور والسنين والبلدان، تقبل شهادتهما؛ لأن الإقرار مما يعاد ويكرر، ويكون الثاني عين الأول، فلم يختلف المشهود به فتقبل شهادتهما، وكذلك إذا شهدا بالبيع واختلفا في الزمان والمكان، قبلت شهادتهما لما ذكرنا، وكذلك إذا شهد أحدهما بالبيع والآخر على الإقرار بالبيع تقبل؛ لأن لفظ الإقرار والإنشاء في البيع سواء، لأنه يقول في الإنشاء: بعت، وكذلك يقول في الإقرار: بعت فلم يختلف المشهود به، فلا يمنع ذلك صحة الشهادة والقضاء بها.

وفي «المنتقى» : إذا شهد شاهدان على الإقرار بالمال، واختلفا في المكان والأيام إنَّ على قول أبي حنيفة رحمه الله الشهادة مقبولة، قال أبو يوسف رحمه الله: (هذا) قياس، لكني أستحسن فأبطل الشهادة بالتهمة ولكثرة الشهادات بالزور، فإن قيل: أليس أن القرض فعل؛ لأنه إنما يتم الإقراض ويجب عليه ضمانه بالقبض، فصار كما لو شهد أحدهما على الفعل والآخر على الإقرار به، وثمة لا تقبل؟ قلنا: (١٤٧أ٤) ليس كذلك بل القرض قول؛ لأن المستقرض إنما يصير مملوكاً للمستقرض، ويباح له التصرف بالقول وهو قوله: أقرضت، فإن المقرض وإن سلم إليه الدراهم وقبض لا يصير مضموناً عليه ولا يملك التصرف فيه ما لم يقل أقرضت، فعرفنا أن الإقراض قول، وصيغة الإنشاء والإقرار فيه سواء، لأنه يقول في الإقرار: استقرضت، كما يقول في الإنشاء، فلم يكن المشهود به مختلفاً فلا يمنع قبول الشهادة.

قال محمد رحمه الله في كتاب الرهن: وإذا شهد شاهدان على الرهن ومعاينة

<<  <  ج: ص:  >  >>