للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به هذا الشاهد وقبضتها ثم بعتها من فلان وسلمتها إليه ثم استوهبتها فوهبها لي وقبضتها منه، فإنه لا تقبل شهادتهما في الوجهين جميعاً، فرق بين هذا وبينما إذا ادعى أنه اشتراها من فلان، وشهد شاهدان أنه وهبها وقبضها منه فإنه لا تقبل شهادتهما قبل التوفيق، ولو وفق فقال: كنت اشتريتها من فلان ثم جحدني الشراء فاستوهبتها منه فوهبا لي وأعاد البينة، قبلت هذه الشهادة.

ووجه الفرق: أنه في تلك المسألة أقام على الهبة شاهدين، وقد زالت المخالفة بين الدعوى والشهادة بالتوفيق، فقبلت شهادتهما وقضي بالهبة لكمال الحجة عليها، أما ههنا إن زالت المخالفة بالتوفيق ولكن لم يشهد بالهبة إلا شاهد واحد فيعذر القضاء به، لأن القضاء بشهادة الفرد لا تجوز، حتى لو شهد معه شاهد آخر على الهبة قضي له بالهبة.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم، فادعى الغريم أنه أوفاها صاحبها، وصاحب المال يجحد ذلك فشهد للغريم شاهدان، شهد أحدهما: أن صاحب الحق أبرأ الغريم من المال، وشهد الآخر أن صاحب المال أقر بالاستيفاء، لم تقبل شهادتهما لأنهما اختلفا لفظاً ومعنى، أما لفظاً فلا شك وكذلك معنى، لأن الذي شهد بالإبراء إن عنى به الإبراء بغير عوض، فهو إسقاط وليس في الاستيفاء معنى الإسقاط، فجاب المخالفة وإن عنى به الإبراء الذي هو حكم الاستيفاء صار هو شاهداً بمعاينة الاستيفاء، وإنه فعل، والآخر شاهد بالإقرار به وإنه قول، ومثل هذا مانع قبول الشهادة كما لو شهد أحد الشاهدين على الغصب، وشهد الآخر على الإقرار بالغصب ولو كان الذي شهد بالإبراء شهد أن صاحب الحق أقر أن الغريم برئ إليه قبلت الشهادة؛ لأن البراءة التي ابتداؤها من الغريم وانتهاؤها بصاحب الدين تكون بطريق الإيفاء والاستيفاء، فكانت الشهادة بمثل هذه البراءة شهادة على الإقرار بالاستيفاء أيضاً، فقد اتفقا في المعنى وما شهد به داخل تحت دعوى المدعي أيضاً، فلهذا تقبل.

ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه استوفى الألف وشهد الآخر أنه حلله له، أو أجله أو وهبه له أو تصدق به عليه فالشهادة باطلة، لأن الاستيفاء أخذ الحق، وهذه الأشياء شيء تبنى عن التبرع فاختلف المشهود به، ولأن هذه الأشياء لا تصلح حكماً للاستيفاء ثم لما لم تقبل شهادة البراءة مع أنها تصلح حكماً للاستيفاء، لأَن لا تقبل هنا أولى وأنه لا يصلح حكماً له، ولو ادعى المطلوب الأداء فشهد له شاهدان أن صاحب الحق أبرأه من دينه أو أنه حلله فالشهادة جائزة، لأن المشهود به واحد وما شهد أنه داخل تحت دعوى المدعي من وجه، لأن المدعي وهو المطلوب بدعوى الاستيفاء ادعى براءة معيدة بالاستيفاء؛ لأن الإبراء من حكم الاستيفاء، فإنه يقال: أبرأه براءة قبض واستيفاء وهما شهدا ببراءة مطلقة للبراءة بالإبراء وللبراءة بالإيفاء، فكانت هذه شهادة ببعض ما ادعاه فقبلت وفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى فإنه اعتبر هذا مخالفة بين الشاهدين

<<  <  ج: ص:  >  >>