للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإقرار بالبناء بعد ذلك للمدعى عليه يكون إكذاباً للشهود ضرورة، فيوجب بطلان الشهادة.

ووجه التسوية على رواية كتاب «الأقضية» : أنه يطلق اسم الدار في الغالب من كلام الناس وفي عاداتهم يستعمل بإزاء الأرض والبناء، والشرع شهد لذلك، حتى إن من حلف لا يدخل داراً، فدخل صحراء كانت داراً، وقد انهدم بناؤها لا يحنث والثابت باعتبار العادة وعليه الاستعمال كالثابت بمقتضى اللفظ حقيقة، فاستوى ذكر البناء وعدمه.

ثم على رواية كتاب «الأقضية» فرق بينما إذا قال المقضي له: ليس البناء لي، وإنما هو للمدعى عليه، وبينما إذا قال: كان البناء للمدعى عليه يوم الشهادة، أو قال: لم يزل ملكاً للمقضي عليه، فلم يجعل الأول تكذيباً للشهود، وجعل الثاني والثالث تكذيباً، وعلى رواية كتاب الشهادات لم يفصل وجعل مطلق الإقرار بالبناء للمدعى عليه تكذيباً للشاهد إذا كان البناء مذكوراً في الشهادة.

ووجه ما ذكر في الشهادات: أن مطلق الإقرار بالبناء للمقضي عليه يناقض شهادة الشهود بالبناء للمدعي، والإكذاب من حكم المناقضة.

وجه ما ذكر في «الأقضية» : أن قوله: البناء ليس لي، وإنما هو للمدعى عليه كلام محتمل يحتمل أنه للمقضي عليه، لأنه كان له يوم شهد الشهود، فيكون إكذاباً للشهود، فلا يكون إكذباً بالاحتمال، ولا كذلك قوله: كان البناء له يوم شهد الشهود لم يزل ملكاً له، هذا إذا أقر المقضي له بعد القضاء له أن البناء ليس له وأنه للمقضي عليه.

ولو أن المقضي له بعد القضاء له لم يقر بذلك لكن المقضي عليه ادعى البناء لنفسه، فعلى رواية كتاب «الأقضية» : لا تسمع دعواه ولا تسمع بينته، ذكر الشهود البناء في شهادتهم أو لم يذكروا، وعلى رواية شهادات «الأصل» : إن لم يذكروا البناء في شهادتهم تسمع دعوى المقضي عليه، وإن ذكروا لم تسمع دعواه.

وفي «المنتقى» وفي «الإملاء» : عن محمد رجل ادعى داراً في يدي رجل وأنكر الذي في يديه الدار حق المدعي، فشهد للمدعي شاهدان أن الدار داره، ولم يزيدوا على ذلك، فلما زكوا قال المدعى عليه: البناء بنائي أنا بنيته، وأراد أن يقيم البينة على ذلك، قال: إن كان شهود المدعي حضور فالقاضي يسألهم عن البناء، فإن قالوا: البناء للمدعي مع الدار فالقاضي لا يلتفت إلى قول المدعى عليه، وإن قالوا: لا ندري لمن البناء إلا أنا نشهد أن الأرض للمدعي، فليس ذلك بإكذاب منهم لشهادتهم ويقضي للمدعى عليه بالبناء إن أقام بينته على البناء، ويؤمر بالهدم وتسليم الأرض إلى المدعي، فإن لم يحضر المدعى عليه بينة على البناء، قضى عليه القاضي بالأرض بشهادة شهود المدعي وأتبع الأرض للبناء، فإن جاء المدعى عليه بعد ذلك بالبينة أن البناء بناؤه أخذه؛ لأن القاضي لم يقض على المدعى عليه بالبناء بشهادة الشهود، وهذه الرواية توافق رواية شهادات «الأصل» .

ولو أن شهود المدعي شهدوا أن الدار للمدعي ثم ماتوا أو غابوا فلم يقدر عليهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>