للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النكاح أصلاً لنا أن ما ليس بمال يصلح عوضاً عن المال إذا استفاده ملتزم المال من جهة من ضمن له المال من كل وجه، والقصاص نظير النكاح فيلحق بالنكاح، وكذلك لو كان هذا الصلح فيما دون النفس يريد به إذا شهدا على الصلح على مقدار الأرش أو دونه، فلا ضمان عليهما عند الرجوع جعل الجواب فيما دون النفس نظير الجواب في النفس؛ لأن المستحق فيما دون النفس عين على الحقيقة، فإذا صار مستحقاً لولي القصاص يزول عن ملكية من عليه القصاص، ومازال عن بعض العين عن صاحب الرقبة ثم عاد إليه بسبب، فإنما يعود إليه بحكم ذلك السبب لا حكماً لملكه الباقي؛ لأن كل جزء من أجزاء الرقبة أصل بنفسه لا يملك حكماً لملك الباقي، بخلاف تلك المنافع، فصار ما دون النفس والنفس سواء من هذا الوجه.

وإذا شهد شاهدان على رجل أنه عفى عن دم خطأ أو جراحة خطأ أو عمد فيهما أرش وقضى القاضي بذلك، ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الدية وأرش تلك الجراحة؛ لأنهما أتلفا على المشهود عليه الدية وأرش تلك الجراحة، فموجب الخطأ المال فيضمنان ذلك عند الرجوع ولكن بالصفة التي كانت واجبة؛ لأن الضمان إنما يجب على الشاهدين بطريق الجبر لمأمور، وإنما يتحقق الجبر إذا كان الضمان بصفة الفائت، وبهذا يضمن الجيد بمثله والرديء بمثله.

إذا ثبت هذا فيقول: الدية مؤجلة في ثلاث سنين، فيجب على الشاهد ضمانها مؤجلاً في ثلاث سنين، وما بلغ من أرش الجراحة خمسمئة فصاعداً إلى ثلث الدية من ذلك في سنة، وما زاد على ذلك إلى الثلثين فذلك في سنة أخرى، فيجب على الشاهدين عند الرجوع كذلك، وإن كان أرش الجراحة أقل من خمسمئة يجب حالاً، فيضمنه الشاهد عند الرجوع.

كذلك قال محمد رحمه الله في «الجامع» .

شاهدان شهدا على عبد أنه قتل ولي هذا الرجل خطأ والمولى يجحد، وقيمة العبد ألف درهم فقضى القاضي بذلك ولم يخير المولى بين الدفع والفداء حتى شهد شاهدان آخران أن المولى أعتق العبد بعد الجناية والمولى يجحد، فإن القاضي يقضي بعتقه وبدية المقتول على المولى؛ لأن الثابت بالبينة العادلة كالثابت معاينة، ولو عاين القاضي جناية العبد ثم عاين إعتاق المولى بعد ذلك، فالقاضي يقضي بالجناية والعتق والدية على المولى لصيرورته مختاراً للفداء بالإعتاق بعد الجناية، فكذا إذا أثبت ذلك بالبينة.

حكي عن الشيخ أبي الحسن الكرخي رحمه الله: أنه كان يقول: تأويل المسألة أن الشهود شهدوا أن المولى أعتقه وهو عالم بالجناية؛ لأن الإعتاق مع العلم بالجناية، والصحيح أن الشهادة على العلم بالجناية ليست بشرط، لأن المولى قد علم بالجناية أول مرة.

ثم إذا قضى القاضي بدية المقتول وقبض الأولياء الدية من المولى رجع الشهود جميعاً عن الشهادة، فإن شاهدا الجناية يضمنان للمولى قيمة العبد ألف درهم، وشاهدا الإعتاق يضمنان عشرة آلاف درهم للمولى، (١٦٧أ٤) ألف درهم منها قيمة العبد،

<<  <  ج: ص:  >  >>