للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فترجحت بينة المرأة فصارت أولى، وأما على قول محمد جازت البيوع كلها لما عرف من أصله عن طريق الاستحسان، فإن كان الحر لم يقم البينة على الشراء، لكن أقام البينة أنه باع العبد من المكاتب بمئة دينار، والباقي بحاله، قبلت بينته، ولا تقبل بينة المكاتب على المرأة، ولا بينة المرأة على المكاتب عندهم جميعاً. أما عندهما فلما مر، وأما عنده: فكذلك، وينبغي أن يقضى ببيع المرأة من المكاتب عند محمد، ولا يقضي ببيع الحر من المكاتب، قياساً على مسألة أخرى ذكرها محمد في البيوع من «الجامع» أيضاً في باب الشهادات في البيوع في الاثنين والواحدة.

وصورتها: رجل في يديه عبد ادعى أن هذا العبد عبده، باعه من هذه المشتراة بألف درهم، والمرأة تجحد ذلك وتدعيه لنفسها، وأقام المدعيان البينة على ما ادعيا، فإنه يقضي ببيع المدعي الذي ليس العبد في يده من المرأة؛ لأنهما ادعيا بيع العبد من المرأة، وادعيا فيه ملكاً مطلقاً والعبد في يد أحدهما، فكذلك ههنا يجب أن يقضي ببيع المرأة من المكاتب؛ لأن الحر مع المرأة ادعيا البيع من المكاتب وادعيا في العبد ملكاً مطلقااً والمرأة خارج، فإن العبد ليس في يدها، والحر ذو اليد، فمن المشايخ من يجعل في المسألة روايتين، ومنهم من يفرق بين المسألتين.

والفرق: أن ثمة الذي ليس العبد في ملكه يحتاج إلى إثبات ملكه في العبد بالبينة، ليجوز بيعه؛ لأن الملك له في العبد غير ثابت، وذو اليد أثبت كذلك أيضاً، إلا أن المذهب عندنا: أن بينة الخارج أولى، فأما ههنا فالمرأة الخارجة مستغنية عن إثبات الملك لنفسها في العبد، ليجوز بيعها؛ لأن الملك لها ثابت في العبد بإقرار الحر، فكان بينة كل واحد منهما مشروعة على إثبات البيع، لا على إثبات الملك، فكان بينة ذي اليد أولى؛ لأن بيعه آكد لأنه أثبت بيع شيء في يده، ويقدر على تسليمه، والمرأة تثبت بيع شيء لا يقدر على تسليمه، وإن كان العبد في يد المكاتب والباقي بحاله، فإن على قولهما: بينة المكاتب والمرأة باطلتان، وبينة الحر مقبولة، وعلى قول محمد: يقضى بالعبد كله للمكاتب، نصفه شراء من جهة المرأة، ونصفه من جهة الحر؛ لأن العبد في يده، وقد تنازع فيه خارجان يدعي كل واحد منهما أنه باعه من المكاتب، وأقاما البينة ولا مزية لإحدى البينتين على الأخرى.

فإن قيل: لماذا قدم محمد بيع الحر وبيع المرأة من المكاتب، ولم يقدم بيع المرأة من المكاتب؟

قلنا: لأن الأصل عنده أن الشهود متى لم يشهدوا بالقبض يجعل القبض المعاين أول القبوض بحكم البيع، وإنما يصير أول القبوض إذا قدمنا على هذا الوجه، ويقضي لكل واحد منهما على المكاتب بنصف الثمن بائعاً جميع العبد من المرأة، فيؤمر المكاتب بتسليم العبد إلى المرأة، ولا خيار للمكاتب، وإن اشترى من كل واحد منهما جميع العبد وقد سلم له النصف لأن خياره يسقط بالبيع من المرأة؛ وكان يجب أن يقضي على المكاتب لكل واحد منهما بجميع الثمن، لأن العبد سلم الى المكاتب.

وقد ذكر هذه المسألة في باب الشهادات في البيوع من «الجامع» ، ووضعها في

<<  <  ج: ص:  >  >>