للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعضهم قالوا: بأن محمداً متّهم في التصديق بعد الاستحقاق؛ لأنه قصد به إثبات حق الرجوع لنفسه على إبراهيم، فلا يصح تصديقه فيما يرجع إلى الإسناد وصار في حق الإسناد كان التصديق منه لم يوجد، ولو لم يوجد منه التصديق أصلاً لا يرجع محمد بالثمن على إبراهيم؛ لأنه لا يصير مقضياً عليه، ألا ترى أنه لو لم يصدق وأقام البينة على أنها أمته اشتراها من إبراهيم قضي بها على المستحق، فدل أنه لا يصير مقضياً عليه قبل التصديق فكذا إذا تقدم التصديق ما لم يصر مقضياً عليه لا يرجع بالثمن على إبراهيم، فقال محمد: أنا أقيم البينة على إبراهيم، قبلت بينته؛ لأن هذه بينة قامت من خصم على خصم، لأن بيع محمد من عبد الله سبب لثبوت حق الرجوع لمحمد على إبراهيم فصار محمد خصماً في إثبات هذا البيع وصار إبراهيم خصماً في إنكاره ودفعه، فقبلت بينته، وإذا قبلت البينة صار الثابت بها كالثابت عياناً، ولو عاينا يقع محمد من عبد الله، والباقي بحاله كان لمحمد أن يرجع بالثمن على إبراهيم كذا ههنا.

وكذلك لو أقام محمد بينة أنه صدق عبد الله في دعواه الشراء منه قبل استحقاق الجارية من عبد الله قبلت بينته، ورجع محمد بالثمن على إبراهيم اعتباراً للتصادق الثابت بالبينة بالثابت عياناً.

ولو تصادق محمد وعبد الله على أن محمداً وهب الجارية من عبد الله، وسلمها إليه فهو على وجوه ثلاثة: على نحو ما ذكرنا في الشراء، ففي الوجه الثاني والثالث: لا يرجع محمد بالثمن على إبراهيم، وفي الوجه الأول: يرجع، وكان ينبغي أن لا يرجع لأن في فصل الشراء لا يرجع محمد بالثمن على إبراهيم ما لم يرجع عبد الله بالثمن على محمد؛ وههنا لا يرجع عبد الله على محمد أصلاً، فكيف يرجع محمد بالثمن على إبراهيم؟ ولكن الوجه في ذلك أن يقال: بأن في فصل الشراء رجوع عبد الله بالثمن على محمد ما شرط ليصير محمد مقضياً عليه؛ لأن القضاء بالملك المطلق على ذي اليد قضاء عليه، وعلى من تلقى الملك من جهته وقد ثبت تلقي عبد الله الملك من جهة محمد، فصار محمد مقضياً عليه ولكن إنما شرط باعتبار أن بدل المستحق مملوك العاقد، فلو رجع محمد بالثمن على إبراهيم قبل أن يرجع عبد الله على محمد بالثمن يجتمع الثمنان في ملك محمد بدلاً عن ثمن واحد، وهذا مما لا وجه له ولا سبيل إليه، هذا المعنى معدوم في الهبة والصدقة، فكان لمحمد أن يرجع بالثمن على إبراهيم، وإن لم يكن لعبد لله أن يرجع بالثمن على محمد.

رجل اشترى من آخر، كرماً اشترى الأرض والنخيل جميعاً وقبضهما، ثم استحقت العَرَصَةُ وحدها كان للمشتري أن يرد الأشجار على البائع، ويرجع عليه بجميع الثمن. ومثله لو اشترى حماراً مع بردعته اشترى الحمار والبردعة جميعاً وقبضهما، ثم استحق الحمار دون البردعة ليس للمشتري أن يرد البردعة، ويرجع على البائع بجميع الثمن، بل يمسك البردعة بحصتها من الثمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>