للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلان ادعيا عيناً في يدي رجل يدعي كل واحد أنه ملكه ورثه عن أبيه أو ادعيا الملك مطلقاً، وأقام كل واحد منهما بينة على دعواه، فظهرت عدالة شهود أحدهما، فالقاضي يقضي بالعين كله لمن ظهرت عدالة شهوده؛ لأن حقه قد ظهر من كل وجه وحق الآخر عسى يظهر، وعسى لا يظهر بأن لا يعدل شهوده وليس لمعرفة عدالة شهوده غاية معلومة ووقت معلوم، ولا يجوز تأخير حق ظاهر لحق موهوم به عسى لا يظهر وعسى يظهر، وليس لظهوره وقت معلوم وتبطل بينة الآخر حتى إذا ظهرت عدالتهم فالقاضي لا يقضي بشيء؛ لأن القاضي لما قضى بالعين كله للذي ظهرت عدالة شهوده مع قيامها يوجب القضاء بالنصف الآخر، وهو شهادة شهوده يضمن القضاء بالدار كله له إبطال بينة الآخر، والقاضي له ولاية إبطال البينة إذا لاح له دليل الإبطال، والقاضي إذا أبطل البينة في حادثة لا يجوز القضاء بها في تلك الحادثة أصلاً، وإن أقام الآخر بينة بعد ذلك على صاحبه المقضي له أن العين له قبل القاضي بينته وقضى بكل العين سواء جاء بشهود آخرين أو بتلك الشهود، لأنه لو لم يقبل شهوده إنما لم يقبل لصيرورته مقضياً عليه ببينة المقضي له، ولا وجه إليه؛ لأن بينة المقضي له قامت على صاحب يد الأول لا على المدعي الآخر.

فإن قال المقضي له الأول بعد ذلك: أنا أعيد البينة على المقضي له الثاني أن العين لي، فالقاضي لا يلتفت إلى بينته؛ لأنه صار مقضياً عليه من جهة المقضي له الثاني.

ولو ظهرت عدالة شهودهما وقضى القاضي بالعين بينهما لاستوائهما في الحجة، ثم أحد المدعيين أقام بينة أن العبد عبده لا ينتفع بهذه البينة ولا يقضى له على صاحبه بشيء؛ لأن كل واحد من المدعيين صار مقضياً عليه في النصف الذي قضى به لصاحبه؛ لأنه ببينته استحق الكل، ولولا بينة صاحبه يقضى بكل العبد، فإنما حرم كل واحد منهما عن النصف ببينة صاحبه، فصار هو مقضياً عليه من جهة صاحبه، والإنسان متى صار مقضياً عليه في شيء لا يصير مقضياً له في عين ذلك الشيء.

فإن قيل: كيف يجعل كل واحد من المدعيين مقضياً عليه في النصف الذي قضى به لصاحبه، ولم يكن له في النصف ملك قبل القضاء لصاحبه؟ قلنا: إن لم يكن له فيه ملك فله حق الملك؛ لأنه أقام البينة أن الكل له، وإنها حقيقة الملك عند اتصال القضاء بها،

<<  <  ج: ص:  >  >>