للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعارة، أو وديعة، وإذا قال: لا دفع لي، ثم جاء بدفع.

فقد قيل: يجب أن تكون هذه المسألة على روايتين، أو على الخلاف بين أبي حنيفة، ومحمد على قياس ما إذا قال المدعي: لا بينة لي، واستحلف المدعى عليه، ثم جاء ببينة.

وقيل: في هذه المسألة يجب أن لا يصح دفعه بعد ذلك باتفاق الروايات، لأن معنى قوله: لا دفع لي، ليس لي دعوى الدفع، ومن قال: لا دعوى لي قبل فلان، ثم جاء يدعي عليه لا تسمع دعواه، كذا هاهنا، والأول أقرب إلى الصواب، لأن معنى قوله: لا دفع لي، ليست لي بينة دافعة؛ لأن دعوى المدعي لا تندفع بمجرد دعوى المدعى عليه الدفع، وإنما تندفع ببينة يقيمها على الدفع، وإذا كان معنى قوله: لا دفع لي هذا.

صارت هذه المسألة نظير ما إذا قال المدعي: لا بينة لي قبل المدعى عليه الضيعة أو الدار، إذا أقام بينة أن نصف هذه الضيعة أو نصف هذه الدار في يدي وديعة من جهة فلان الغائب، هل يبطل دعوى في الكل؟ فقد قيل: يبطل، لأن الدعوى واحدة، فإذا بطل بعضه بطل كله، وقيل: لا تبطل في الكل، وإنما يبطل في النصف، قالوا: وإليه أشار محمد رحمه الله في بيوع «الجامع» .

دعوى اتفقت الأئمة على فسادها، ومع ذلك جاء المدعى عليه بدفع لو كانت الدعوى صحيحة كان ذلك الدفع دفعاً له، فالقاضي هل يسمع دفع المدعى عليه؟ أو يأمر المدعي بتصحيح دعواه؟ فقد اختلف المشايخ فيه؛ قال بعضهم: يأمر المدعي بتصحيح دعواه، وقال بعضهم: يسمع دفع المدعى عليه ويقضي به.

ادعى داراً في يدي رجل فقال المدعى عليه في دفع دعواه: إنك أقررت قبل هذا أنك بعت هذه الدار مني، وأراد أن يحلف المدعي فله ذلك، ولو أقام البينة على إقرار المدعي بذلك قبلت بينته، واندفع دعوى المدعي.

وإذا ادعى (٢١٩أ٤) النتاج في دابة فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي: إنك تبطل في هذه الدعوى لما أقررت أنك اشتريت هذه الدار من فلان فلا دفع لدعوى المدعي.

رجل ادعى كرماً في يدي رجل، فقال المدعى عليه في دفع دعواه: إنه أجر نفسه مني ليعمل في هذا الكرم لي، عمل كذا، فهذا دفع صحيح لو أثبته بالبينة تندفع عنه دعوى المدعي؛ لأن إجارة نفسه من غيره للعمل في الكرم الذي في يد ذلك الغير إقرار من الأجير أن الكرم ليس له، فيصير بدعواه أن الكرم له متناقضاً.

ذكر ابن سماعة في «نوادره» عن محمد رحمه الله: رجل ادعى على رجل أنه أخذ منه مالاً وهو كذا وكذا ووصفه بأمر يعرف، فأقام المدعى عليه بينة أن المدعي قد أقر أن هذا المال المسمى المفسر أخذه منه فلان الآخر، والمدعي ينكر، فليس هذا بإبطال لدعوى المدعي، ولا إكذاب لبينته، لأن الإكذاب، والإبطال إنما يثبت لمكان التنافي،

<<  <  ج: ص:  >  >>