للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: أليس أن الأب لو ادعى قبل البيع صحة دعوته، وقد ادعى تملك الجارية على الابن بالقيمة، ولم يجعل ذلك بمنزلة دعوى الشراء، قلنا: جعل ذلك بمنزلة دعوى الشراء أيضاً، إلا أن له على هذه الدعوى دليل ظاهر، وهو ما له من تأويل الملك وقت العلوق ووقت الدعوى، فلهذا افترقا.

الفرق الرابع: أن دعوى الأب دعوى تملك، والتملك لا يعمل في ملك الغير، أما دعوى الابن دعوى استيلاد، والاستيلاد قد يعمل في ذلك الغير، كما في الجارية المشتركة بين اثنين.

هذا الذي ذكرنا إذا كذبه المشتري وصدقه البائع أو كذبه، فأما إذا صدقه المشتري، وكذبه البائع صحت دعوته؛ لأن الجارية مع الولد ملك المشتري، فإذا صدق المشتري أبا البائع في دعوته، فقد أقر أن الجارية أم ولده، وأن الولد ولده وأنه يملك الجارية على البائع قبل تملكه إياها، وكل ذلك إقرار على نفسه، وإقرار الإنسان على نفسه صحيح، ألا ترى أن أجنبياً آخر لو ادعى نسب هذا الولد، وصدقه المشتري صحت دعوته مع أنه ليس للأجنبي في الجارية تأويل الملك؛ فههنا أولى، ولكن لا يبرأ المشتري عن الثمن بتصديقه أب البائع في دعوته؛ لأن تصديقه يعتبر (٢٣٠أ٤) فيما عليه لا فيما له، وصيرورة الجارية أم ولد لأب البائع، وثبوت نسبه والولد منه أمر على المشتري، فيعتبر تصديق المشتري في ذلك، أما براءة المشتري عن الثمن أمر له، فلا يعتبر تصديقه في ذلك، ولا يضمن أب البائع شيئاً من قيمة الجارية للبائع.

وإن زعم أنه يملك الجارية على البائع بالاستيلاد، وتملك الأب جارية ابنه بالاستيلاد يوجب القيمة على الأب، إلا أن البائع كذب الأب في ذلك، فالتحق زعمه بالعدم، وليس للمشتري على أب البائع شيء من قيمة الجارية ولا من قيمة الولد، أما في قيمة الجارية، فلأنه وإن زعم أن الأب يملك الجارية إلا أنه زعم تملكها على الابن، وهو البائع لا على نفسه، فكان مدعياً القيمة للبائع لا لنفسه، وأما من قيمة الولد فلأن في زعمه أن الأب تملك الجارية سابقاً على الاستيلاد، وأن الولد حر الأصل، فلا يكون مدعياً قيمة الولد أصلاً.

ولو صدقاه جميعاً يعني المشتري والبائع صارت الجارية أم ولد له، وثبت نسب الولد منه، ورجع المشتري بالثمن على البائع؛ لأن بتصادقهم ظهر أن البائع باع أم ولد الغير، وأن بيعه باطل، وأن البائع أخذ الثمن ولا ثمن له فيؤمر بالرد، وضمن الأب قيمة الجارية للبائع؛ لأنهما تصادقا على تملك الأب جارية البائع سابقاً على الاستيلاد، وإنه يوجب القيمة على ما عرف.

قال محمد رحمه الله: وإذا كانت الجارية ولدت في ملكه ولدين في بطن واحد، فباع أحد الولدين، ثم إن أب البائع ادعى الولدين جميعاً، وكذبه البائع والمشتري في ذلك صحت دعوته، وصارت الجارية أم ولد له، وثبت نسب الولدين منه، ويغرم قيمة

<<  <  ج: ص:  >  >>