للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لأن المقصود من الغسل هو التطهر، والتطهير لا يحصل إذا غسل مع ثيابه؛ لأن الثوب متى تنجس الغسالة تتنجس يديه ثانياً بنجاسة الثوب، فلا يفيد الغسل، فيجب التجريد.

وأما الحدث قلنا: النبي عليه السلام كان مخصوصاً بذلك لعظيم حرمته ألا ترى أن الصحابة قالت: لا ندري كيف نغسله؟ والنص الوارد في حق النبي عليه السلام بخلاف القياس لا يكون وارداً في حق غيره؛ لأنه ليس لغيره من الحرمة ما للنبي عليه السلام، وقوله: يطلع على عورته.

قلنا: أصلنا بين أمرين: بين أن نغسله في ثيابه حتى لا يطلع على عورته غيره، وبين أن يجرده فيقع الاحتراز عن نجاسة تصيبه من الثوب، والتجريد أولى؛ لأن صيانته عن النجاسة فرض، واطلاع الغاسل على عورة الميت، مكروه. فكان مراعاة التطهير، وإنه فرض أولى من مراعاة الاطلاع على عورة الميت، وإنه مكروه.

وإذا جرد عن ثيابه يوضع على تخت؛ لأنه لو وضع على الأرض يتلطخ (١١٦أ١) ويتلوث بالطين فيوضع على التخت كيلا يتلطخ بالطين، ولم يبين في «الكتاب» كيفية وضع التخت إلى القبلة طولاً أو عرضاً.

من أصحابنا رحمهم الله من اختار الوضع طولاً كما كان يفعله في مرضه إذا أراد الصلاة بالإيماء، ومنهم من اختار الوضع عرضاً كما يوضع في القبر. قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: وعلى الأصح أنه يوضع كما تيسر فإن ذلك يختلف باختلاف الأماكن والمواضع، ويوضع على عورته خرقة؛ لأن ستر العورة واجب على كل حال، والآدمي محترم حياً وميتاً.

ألا ترى أنه لا يحل للرجال غسل النساء ولا للنساء غسل الرجال الأجانب بعد الوفاة، ثم ظاهر الرواية أنه يستر السوءة وهي العورة الغليظة وحدها ويترك فخذاه مكشوفتين.

قال و «في النوادر» : ويوضع على عورته من السرة إلى الركبة، وهكذا ذكر الكرخي في كتابه وهو الصحيح، قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه: «لا تنظر إلى فخذ حي وميت» ويلف الغاسل على يديه خرقة ويغسل السوءة؛ لأن مس العورة حرام كالنظر فيجعل على يده خرقة ليصير حائلاً بينه وبين العورة.

ولم يذكر محمد رحمه الله في «الكتاب» : أنه هل يستنجي؟ وذكر في صلاة الأثر أن على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله: أنه يستنجي، وعلى قول أبي يوسف: لا يستنجى، أبو يوسف يقول: المسكة تزول والمفاصل تسترخى بالموت وربما يزداد الاسترخاء بالاستنجاء، فيخرج زيادة نجاسة من باطنه، فلا يفيد الاستنجاء فائدته، فلا يشتغل به، وهما قالا: موضع الاستنجاء من الميت قل ما يخلو عن نجاسة حقيقة، فيجب

<<  <  ج: ص:  >  >>