للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زيه وهيئته، والمعنى: أنا لو تركناهم يتشبهون بنا في هيئة اللباس والمركب كنا متشبهين بهم، وقد نهينا عن التشبه بهم بقدر الإمكان، والإمكان في أصل اللباس إن لم يكن ثابتاً، ففي هيئة اللباس ثابت، فوجب المخالفة فيه؛ ولأنهم من أهل الصغار، والمسلمون من أهل العز، فيجب إظهار المخالفة في الزي، والهيئة ليقع التمييز بيننا وبينهم، فلا يذل المسلم، ولا يعز الكافر، ولأنا نهينا عن بدايتهم بالسلام والتحية. قال الله تعالى: {لا تتخذوا عدوي} إلى قوله: {تلقون إليهم بالمودة} (الممتحنة: ١) ، فلا بد من علانية يعرفهم كيلا يحسبهم مسلمين، فيبدأهم بالتحية، ويمنعون عن ركوب الفرس؛ لأن من باب العز، وهم من أهل الصغار، فيمنعون عنه إلا إذا وقعت الحاجة إلى ذلك بأن استعان بهم الإمام في المحاربة، والذب عن المسلمين، هكذا ذكر شيخ الإسلام.

وذكر صدر الإسلام: ويمنعون عن ركوب الأفراس الفاخرة؛ إلا الكوادن قال شيخ الإسلام: ولا يمنعون عن ركوب البغل، لأنه نتج الحمار، ولا يمنعون عن ركوب الحمار؛ لأن كل أحد لا يقدر على المشي، ولكن يمنعون من أن يضعوا على المركب سرجاً كسرج المسلمين، وينبغي أن يكون على قربوس سرجهم مثل الرمان، والأصل في هذا كله ما روي عن عمر رضي الله عنه «أنه كتب إلى أمراء الأمصار والجنود أن لا يتركوا أهل الذمة يتشبهون بالمسلمين في ثيابهم ومركبهم» .

واختلفوا في قوله: وينبغي أن يكون على قربوس سرجهم مثل مقدم الأكاف وهو مثل الرمان، وقال بعض مشايخنا:..... أن تكون سروجهم كسروج المسلمين، وعلى مقدمها شيء كالرمان والأول أصح، فإنه أقرب إلى موافقة رواية «الجامع الصغير» .

قال: ويمنعون لبس الرداء والعمائم، والدباغة التي يلبسها علماء الدين؛ لأن فيه تشدقاً، وينبغي أن يلبسوا ملابس مضربة، وكذلك يمنعون أن يكون شراك نعالهم كشراك نعالنا، وفي ديارنا لا يلبس الرجال النعال، وإنما يلبسون المكاعب، فيجب أن تكون مكاعبهم على خلاف مكاعبنا، وينبغي أن تكون خشنة فاسدة اللون، ولا تكون مزينة تحقيراً لهم، وينبغي أن يؤخذ..... يتخذ كل إنسان منهم بمثل الخيط الغليط يعقد على وسطه به أمر عمر رضي الله عنه، والمعنى فيه أن المقصود هو العلامة، ليقع التمييز بين المسلمين وبينهم، والغالب وقوع البصر على الوسط، وكان الوسط في تحصيل هذا المقصود أبلغ، وينبغي أن يكون ذلك من الخيط أو الصوف، ولا يكون من الإبريسم وينبغي أن يكون غليظاً، ولا يكون رفيعاً بحيث لا يقع البصر عليه، إلا وأن يدقق النظر قال شيخ الإسلام: أن يعتمد الخيط ويربط عقداً، ولا يجعل له حلقة يشده كما يشد المسلم المنطقة، ولكن يعلقون على الحقارة، واندفاع التلبيس في هذا أشد، ولا يتركون أن يلبسوا خفافاً مزينة، وينبغي أن تكون (١٥٤أ١) خفافهم خشنة فاسدة اللون.

<<  <  ج: ص:  >  >>