للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشجار، مختلفة الثمار. والماء يطرد فيها، ويتخلل جميع نواحيها، وخصص الله داخلها بآبار معينة، شهدية العذوبة، سلسبيلية المذاق، تكون في كل دار منها البئر والبئران. وارضها أرض كريمة، تستنبط مياها كلها. وأسواقها وسككها فسيحة متسعة، ودكاكينها وحوانيتها كأنها الخانات والمخازن اتساعا وكبرا، وأعالي أسواقها مسقفة.

وعلى هذا الترتيب أسواق أكثر مدن هذه الجهات، لكن هذه البلدة تعاقبت عليها الأحقاب، حتى أخذ منها الخراب. كانت من مدن الروم العتيقة، ولهم فيها من البناء آثار تدل على عظم اعتنائهم بها. ولها قلعة حصينة في جوفيها تنقطع عنها وتنحاز منها. ومدن هذه الجهات كلها لا تخلو من القلاع السلطانية وأهلها أهل فضل وخير، سنيون شافعيون، وهي مطهرة بهم من أهل المذاهب المنحرفة، والعقائد الفاسدة، كما تجده في الأكثر من هذه البلاد، فمعاملاتهم صحيحة، وأحوالهم مستقيمة، وجادتهم الواضحة في دينهم من اعتراض بنيات الطريق سليمة.

فكان نزولنا خارجها، في أحد بساتينها، وأقمنا يوما مريحين ثم رحلنا نصف الليل، ووصلنا بزاعة ضحوة يوم السبت الثاني عشر لربيع المذكور.

[بلدة بزاغة]

بقعة طيبة الثرى، واسعة الذّرى، تصغر عن المدن وتكبر عن القرى، بها سوق تجمع بين المرافق السفرية، والمتاجر الحضرية. وفي أعلاها قلعة كبيرة حصينة، رامها أحد ملوك الزمن فغاظته باستصعابها، فأمر بثلم بنائها، حتى غادرها عورة منبوذة بعرائها. ولهذه البلدة عين معينة يخترق ماؤها بسيط بطحاء ترف بساتينها خضرة ونضارة، وتريك برونقها الأنيق حسن الحضارة.

<<  <   >  >>