للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال: "فلا تأتهم". قلت: ومنا رجال يتطيرون قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم" (١) .

قال النووي – رحمه الله -: "فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته، وشفقته عليهم، وفيه من التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه، واللطف، وتقريب الصواب إلى فهمه" (٢) .

ونلحظ أثر الرفق واللين في معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه، إذ بدأ يستفسر عن الأمور التي كانت شائعة في الجاهلية كي يتجنبها إن كانت محرمة – لئلا تظهر منه فينكر عليه (٣) . فالمعلم شفيق على طلابه حريص على تعليمهم وتقريب المعاني إلى أفهامهم مقتدياً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا رجل يدخل المسجد ويتبول فيه، من دون مراعاة لحرمة المكان ووجود الناس فيتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينتهي، ثم يدعوه إليه ليعلمه أن للمسجد حرمة وأنه للصلاة والذكر والتسبيح. فعن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مه مه" (٤) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه (٥) ،دعوه (٦) " فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - دعاه


(١) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة رقمه (٥٣٧) جـ ١/ ٣٨١. وقوله: «ما كهرني» ، أي: ما نهرني.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي جـ٥/٢٨.
(٣) انظر: من صفات الداعية اللين والرفق، ص ٣٤.
(٤) ((مه مه)) هي كلمة زجر، انظر صحيح مسلم بشرح النووي ٣/١٩٣.
(٥) (لا تزرموه) لا تقطعوا عليه بوله، المرجع السابق، ٣/١٩٢.
(٦) (دعوه) اتركوه.

<<  <   >  >>