للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" (١) .

فهذه توجيهات نبوية وحث كريم للعمل على إعمار الأرض بالزرع حتى يأكل منه الإنسان والطير والحيوان، وإذا كان الإنسان قد أمر بالعمل وابتغاء الرزق، فإنّه قد أمر بالاقتصاد في ذلك، قال جل شأنه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١] .

فعدم الإسراف في الشيء يُنمي الاقتصاد، وهو من الأمور المهمة التي عالجها الإسلام مبكراً وهي نبراس لمن أراد العمل والكسب الحلال، وإذا أراد الإنسان المسلم أن ينفع نفسه وأمته فليأخذ بالتوجيهات الربانية في عدم الإسراف، وأيضاً عدم التقتير على حد قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:٢٩] .

ومما يجب التنبيه له أن الإسلام الذي يأمر بإحياء الأرض ينهى أيضاً عن الغلو في ذلك والإسراف فيه، فمن صرف همّه ووقته وجهده في البحث عن المال فحسب فهو غالٍ في عمله هذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة (٢) ، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سَلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزع حتى ترجعوا إلى دينكم" (٣) .

ومن هنا نستطيع أن نفهم أن الحديث يحث على العمل، وفي الوقت نفسه يحذر من الإسراف فيه مع ترك الجهاد، لكن إذا كان هذا العمل يخدم المصالح الإسلامية من إعداد العدة للعدو، وإسعاد الآخرين فلا بأس.


(١) مسند أحمد (٢١/٨٨) رقم (١٣٣٨٩) تحقيق الأرناؤوط، وسنده صحيح.
(٢) العِينَة: أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. النهاية (٣/٣٣٣) .
(٣) أخرجه أبو داود في السنن رقم (٦٤٦٢) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (٢٩٥٦) .

<<  <   >  >>