للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَاتِمٍ الفَرَاهيجِي، سَمِعْتُ فَضَالَة النَّسَوِيَّ، سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَك يَقُوْلُ:

حقٌّ عَلَى العَاقِلِ أَنْ لاَ يَسْتَخفَّ بِثَلاَثَةٍ: العُلَمَاءِ وَالسَّلاَطِيْنِ وَالإِخْوَانِ، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ ذَهَبَتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالسُّلْطَانِ ذَهَبَتْ دُنيَاهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالإِخْوَانِ ذَهَبَتْ مُرُوءتُهُ.

القُشَيْرِيّ: سَمِعْتُ السُّلَمِيّ يَقُوْلُ: خَرَجْتُ إِلَى مَرْو فِي حَيَاةِ الأُسْتَاذ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِي، وَكَانَ لَهُ قَبْلَ خُرُوْجِي أَيَّام الجُمَع بِالغَدَوات مَجْلِسُ دوْر (١) القُرْآن بِخَتْم، فَوَجَدتُهُ عِنْد رُجُوعِي قَدْ رَفَعَ ذَلِكَ المَجْلِس، وَعَقَدَ لابْنِ العُقَابِي (٢) فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مَجْلِسَ القَوْل فَدَاخلنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْء، وَكُنْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي: اسْتبدلَ مَجْلِس الْخَتْم بِمَجْلِس القَوْل - يَعْنِي الغِنَاء -.

فَقَالَ لِي: يَوْماً يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيشٍ يَقُوْلُ النَّاس لِي؟

قُلْتُ: يَقُوْلُوْنَ رَفَعَ مَجْلِسَ القُرْآن، وَوَضَعَ مَجْلِسَ القَوْل.

فَقَالَ: مَنْ قَالَ لأُسْتَاذِه لِمَ؟ لاَ يفْلح أَبَداً (٣) .

قُلْتُ: يَنْبَغِي لِلْمُرِيْدِ أَنْ لاَ يَقُوْلُ لأُسْتَاذِهِ: لِمَ، إِذَا علمه مَعْصُوْماً لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ الخَطَأ، أَمَا إِذَا كَانَ الشَّيْخُ غَيْرَ مَعْصُوْمٍ وَكَرِهَ قَوْلَ: لِمَ؟ فَإِنَّهُ لاَ يُفلح أَبَداً، قَالَ الله - تَعَالَى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} [المَائِدَة:٢] ،


(١) أثبت محقق " طبقات " السبكي ٤ / ١٤٦ بدل هذه الكلمة كلمة " ورد ".
(٢) في الأصل: " القعابي " بتقديم القاف: ولم نقف على هذه النسبة، والمثبت من " طبقات " السبكي ٤ / ١٤٦ وهي نسبة إلى العقابة، وهو بطن من حضرموت.
(٣) أورد الخبر السبكي في " طبقاته الكبرى " ٤ / ١٤٦، ١٤٧، وقد تشبث كثير ممن ينتسب إلى العلم بهذه المقالة، ورددها على لسانه أمام تلامذته، وكان من أثر ذلك أن اعتقد التلامذة العصمة في كل ما يقوله هذا الشيخ من آراء، وبقوا في التقليد الاعمى يتخبطون، وتبلدت أذهانهم، وضعفت مداركهم، حتى إنهم يظهر لهم بوضوح وجلاء أشياء كثيرة قد أخطأ فيها الشيخ، ولكنهم لا يتجزؤون على مخالفته لتلك المقالة السيئة.