للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

برُسُله.

قَالَ: فَحُمِلَ عَلَى حَالَتِهِ حَتَّى صَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الهنديُّ:

أَيُّ رَجُلٍ أَنْتَ؟

قَالَ: أَدْعُو إِلَى اللهِ، وَأُجَاهِدُ مَنْ يُخَالِفُ دِيْنَ الإِسْلاَم.

قَالَ: فَمَا تُرِيْد منَا؟

قَالَ: أَنْ تَتْرُكُوا عبَادَةَ الأَصْنَام، وَتَلْتَزِمُوا شُرُوط الدِّيْنِ، وَتَأكُلُوا لحم البَقَر.

وَتردَّد بينهُمَا الكَلاَمُ، حَتَّى خَوَّفَهُ مَحْمُوْدٌ وَهدَّده، وَقَالَ الحَاجِبُ للهِنْدِي:

أَتَدْرِي لِمَنْ تُخَاطِبُ؟ وَبَيْنَ يَدَيْ أَيِّ سُلْطَانٍ أَنْتَ؟

فَقَالَ الهنديُّ: إِنْ كَانَ يدعُو إِلَى اللهِ كَمَا يَزْعُمُ، فلَيْسَ هَذَا مِنْ شُرُوط ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ سُلطَاناً قَاهِراً لاَ يُنصف، فَهَذَا أَمرٌ آخر.

فَقَالَ الوَزِيْرُ: دَعُوهُ.

ثُمَّ وَرد الخَبَرُ بِتَشْوِيشِ خُرَاسَان، وضَاقَ عَلَى صَاحِب الهِنْدِ الأَمْرُ، وَرَأَى أَنَّ بلاَدَهُ تَخْرَبُ، فَنَفَّذَ رَسُولاً آخر، وَتَلَطَّفَ، وَقَالَ: إِنَّ مُفَارقَة دينِنَا لاَ سَبِيْل إِلَيْهِ، وَلَيْسَ هُنَا مَال نُصَالِحُكَ عَلَيْهِ، وَلَكِن نجعلُ بَيْنَنَا هُدْنَةً، وَنكُونُ تَحْتَ طَاعَتِك.

قَالَ: أُريد أَلفَ فيل وَأَلف مَناً (١) ذهباً.

قَالَ: هَذَا لاَ قُدرَة لَنَا عَلَيْهِ.

ثُمَّ تقرّر بينهُمَا تَسْلِيمُ خَمْس مائَة فيلٍ وثَلاَثَةِ آلاَف مِنْ فِضَّة، وَاقترح مَحْمُوْدٌ عَلَى الْملك بَيْدَا أَنْ يلبس خِلْعَتَه، وَيَشُدَّ السَّيْفَ وَالمِنْطَقَة (٢) ، وَيضرب السِّكَةَ باسمه.

فَأَجَابَ لَكِنَّهُ اسْتَعفَى مِنَ السِّكَة، فَكَانَتِ الخِلْعَةُ قَبَاءً نُسِج بِالذَّهَبِ وَعِمَامَةَ قصبٍ، وَسَيْفاً مُحَلَّى، وَفرساً وَخُفّاً، وَخَاتَماً عَلَيْهِ اسْمُه، وَقَالَ لرَسُوله: امضِ حَتَّى يَلْبَس ذَلِكَ، وَينزِلَ إِلَى الأَرْضِ، وَيقطعَ خَاتَمَه وَأُصْبُعَهُ، وَيُسَلِّمهَا إِلَيْك، فذَلِكَ علاَمَةُ التَّوثِقَة.

قَالَ: وَكَانَ عِنْد مَحْمُوْدٍ شيءٌ كَثِيْرٌ مِنْ أَصَابع المُلُوك الَّذِيْنَ هَادنَهَم.

قَالَ ابْنُ المِيمندِي الوَزِيْرُ: فَذَهَبْتُ فِي عَشْرَة مَمَالِيْك أَترَاك، وَجئنَا


(١) المنا، بفتح الميم مقصور يكتب بالالف: ميزان يوزن به، والمكيال الذي يكيلون به
السمن وغيره، وقد يكون من الحديد أوزانا، وتثنيته: منوان ومنيان. والاول أعلى.
(٢) المنطقة: كل ما شد في الوسط.