للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَاقرَأْ. فَجهدْتُ أَنْ أَقرَأَ الفَاتِحَةَ، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ؛ لانْغِلاَقِ لِسَانِي، فَقَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: قُلْ لَهَا تَدعُو لَكَ أَنْ يَرزُقَكَ اللهُ قِرَاءةَ القُرْآنِ وَالعِلْمَ. قُلْتُ: نَعَمْ.

فَرَجَعتُ، فَسَأَلتُهَا الدُّعَاءَ، فَدَعتْ لِي، ثُمَّ إِنِّيْ كَبِرتُ، وَدَخَلتُ بَغْدَادَ، قَرَأتُ بِهَا العَرَبِيَّةَ وَالفِقْهَ، ثُمَّ عُدتُ إِلَى الرَّيِّ، فَبَيْنَا أَنَا فِي الجَامعِ أُقَابِلُ (مُخْتَصَر المُزَنِيِّ) ، وَإِذَا الشَّيْخُ قَدْ حَضَرَ، وَسلَّمَ عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَعْرِفُنِي، فسَمِعَ مُقَابَلَتَنَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَاذَا نَقُوْلُ، ثُمَّ قَالَ: مَتَى يُتَعَلَّمُ مِثْلُ هَذَا؟

فَأَردتُ أَنْ أَقُوْلَ: إِنْ كَانَتْ لَكَ وَالِدَةٌ، فَقُلْ لَهَا تَدعُو لَكَ، فَاسْتَحيَيتُ (١) .

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الطُّرَيْثِيْثِيُّ: سَمِعْتُ سُلَيْماً يَقُوْلُ:

علَّقْتُ عَنْ شَيْخِنَا أَبِي حَامِدٍ جَمِيْعَ التَّعْلِيقَةِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:

وَضَعَتْ مِنِّي صُورٌ، وَرفَعتْ بَغْدَادُ مِنْ أَبِي الحَسَنِ ابْنِ المَحَامِلِيِّ (٢) .

قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: بَلَغَنِي أَنَّ سُلَيْماً تَفَقَّهَ بَعْدَ أَنْ جَازَ الأَرْبَعِيْنَ.

قَالَ: وَقَرَأْتُ بِخَطِّ غَيْثٍ الأَرْمَنَازِيِّ: غَرِقَ سُلَيْمٌ الفَقِيْهُ فِي بَحْرِ القُلْزُمِ عِنْد سَاحِلِ جَدَّةَ بَعْدَ أَنْ حَجَّ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِيْنَ.

قَالَ: وَكَانَ فَقِيْهاً مُشَاراً إِلَيْهِ، صَنَّفَ الكَثِيْرَ فِي الفِقْه وَغَيْرِهِ، وَدَرَّسَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَشرَ هَذَا العِلْمَ بِصُور، وَانْتَفَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم الفَقِيْهُ نَصْرٌ، وَحُدِّثتُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يُحَاسِبُ نَفْسَه فِي الأَنفَاسِ، لاَ يَدَعُ وَقتاً يَمضِي بِغَيرِ فَائِدَةٍ، إِمَّا يَنسَخُ، أَوْ يُدَرِّسُ، أَوْ يَقرَأُ.

وَحُدِّثتُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يُحرِّكُ شَفَتَيْهِ إِلَى أَنْ يَقُطَّ القَلَمَ (٣) .


(١) وانظر " طبقات " السبكي ٤ / ٣٩٠، ٣٩١.
(٢) انظر " تبيين كذب المفتري " ٢٦٢، ٢٦٣، و" وفيات الأعيان " ٢ / ٣٩٨، و" إنباه الرواة " ٢ / ٧٠.
وأبو الحسن ابن المحاملي تقدمت ترجمته برقم (٢٦٦) .
(٣) " تبيين كذب المفتري " ٢٦٣.