للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ أَبُو مَرْوَان بن حَيَّان: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ - رَحِمَهُ اللهُ - حَامِل فُنُوْن مِنْ حَدِيْثٍ وَفقهٍ وَجَدَلٍ وَنَسَبٍ، وَمَا يَتعلَّق بِأَذِيَال الأَدب، مَعَ المُشَارَكَة فِي أَنْوَاع التَّعَالِيم القَدِيْمَة مِنَ المَنطق وَالفلسفَة، وَلَهُ كُتب كَثِيْرَة لَمْ يَخلُ فِيْهَا مِنْ غَلَطٍ لِجرَاءته فِي التَّسوُّر عَلَى الفُنُوْن لاَ سِيَّمَا الْمنطق، فَإِنَّهم زَعَمُوا أَنَّهُ زَلَّ هنَالك، وَضَلَّ فِي سُلُوْك المسَالك، وَخَالف أَرسطَاطَاليس وَاضِعَ الْفَنّ مُخَالَفَةَ مِنْ لَمْ يَفهم غَرَضَه، وَلاَ ارْتَاض، وَمَال أَوَّلاً إِلَى النَّظَر عَلَى رَأْي الشَّافِعِيّ، وَنَاضل عَنْ مَذْهَبه حَتَّى وُسِمَ بِهِ، فَاسْتُهْدِفَ بِذَلِكَ لَكَثِيْر مِنَ الفُقَهَاء، وَعِيْبَ بِالشُّذوذ، ثُمَّ عَدَل (١) إِلَى قَوْل أَصْحَاب الظَّاهِر، فَنقَّحه، وَجَادَل عَنْهُ، وَثبتَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَكَانَ يحمل علمه هَذَا، وَيُجَادل عَنْهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى اسْترسَالٍ فِي طِبَاعِهِ، وَمَذَلٍ (٢) بِأَسرَارِهِ، وَاسْتنَادٍ إِلَى العَهْد الَّذِي أَخَذَهُ الله عَلَى العُلَمَاءِ: {لتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُوْنَهُ (٣) } فَلَمْ يَكُ يُلَطِّفُ صَدْعَهُ بِمَا عِنْدَهُ بِتعرِيض وَلاَ بتدرِيج (٤) ، بَلْ يَصكُّ بِهِ مَنْ عَارضَهُ صكَّ الجَنْدَل (٥) ، وَيُنْشِقه إِنشَاق (٦) الخَرْدَل، فَتنفِرُ عَنْهُ القُلُوْبُ، وَتُوقع بِهِ (٧) النّدوب، حَتَّى اسْتُهْدِفَ لفُقَهَاء وَقته، فَتمَالؤُوا عَلَيْهِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تضليلِهِ، وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ، وَحَذَّرُوا سلاَطينهم مِنْ فِتنتهِ، وَنهوا عَوَامَّهم عَنِ الدنوِّ مِنْهُ، فَطفق المُلُوْك


(١) في طبعة المجمع: " ثم عاد " وهو خطأ.
(٢) مذل بسره، كنصر وعلم وكرم: أفشاه ومذلت نفسه بالشيء مذلا: طابت وسمحت وفي طبعة المجمع: بذل بالباء بدل الميم.
(٣) في قوله تعالى: (وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) [آل عمران: ١٨٧] وقوله تعالى: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيب فيهما، والباقون بتاء الخطاب.
(٤) في " الذخيرة ": ولا يزفه بتدريج، وفي " معجم الأدباء ": ولا يرقه بتدريج.
(٥) الجندل: ما يقله الرجل من الحجارة. " القاموس ".
(٦) في " الذخيرة ": وينشقه متلقيه إنشاق ... وفي " معجم الأدباء ": وينشقه متلقعة.
(٧) في " الذخيرة ": ويوقع بها وفي " تذكرة الحفاظ ": ويقع به.