للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ طَاهِر: لَمَّا عزم سَعْدٌ عَلَى المجَاورَة، عزمَ عَلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ عزِيمَة، أَنْ يُلزمهَا نَفْسَه مِنَ المُجَاهِدَات وَالعِبَادَات، فَبقِي بِهِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً لَمْ يُخلَّ بعزِيمَةٍ مِنْهَا.

وَكَانَ يُمْلِي بِمَكَّةَ فِي بَيْته - يَعْنِي: خوَفاً مِنْ دَوْلَة العُبَيْدِيَّة (١) -.

قَالَ ابْنُ طَاهِر: دَخَلتُ عَلَيْهِ وَأَنَا ضَيِّقُ الصَّدْرِ مِنْ شيرَازِيٍّ، فَقَالَ لِي: مِنْ غَيْر أَنْ أُعْلِمَه: لاَ تُضيِّق صَدْرك، فِي بلاَدنَا يُقَالُ: بُخْلُ أَهْوَازِيٍّ، وَحمَاقَةُ شِيرَازِيٍّ، وَكَثْرَةُ كَلاَمِ رَازِيٍّ.

وَأَتيتُه وَقَدْ عزمتُ عَلَى الخُرُوج إِلَى العِرَاقِ، فَقَالَ:

أَرَاحِلُوْنَ فَنبكِي أُمْ مُقِيْمُونَا؟ ...

فَقُلْتُ: مَا يَأْمُرُ الشَّيْخ؟

فَقَالَ: تَدْخُل خُرَاسَان، وَتَفوتُك مِصْر، فِيبقَى فِي قَلْبك مِنْهَا، اخْرج إِلَى مِصْرَ، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى العِرَاقِ وَخُرَاسَان، فَإِنَّهُ لاَ يَفوتُك شَيْء.

فَكَانَ فِي رَأْيه البركَة.

وَسَمِعتُه وَجَرَى بَيْنَ يَدَيْهِ (صَحِيْح) أَبِي ذَرٍّ (٢) ، فَقَالَ: فِيْهِ عَنْ أَبِي مُسْلِم الكَاتِب، وَلَيْسَ مِنْ شَرط (الصَّحِيْح) .

قُلْتُ: لسعدٍ قَصيدَةٌ فِي قوَاعد أَهْل السّنَة، وَهِيَ:

تَدَبَّرْ كَلاَمَ اللهِ وَاعتَمِدِ الخَبَرْ ... وَدَعْ عَنْكَ رَأْياً لاَ يُلاَئِمُهُ أَثَرْ

وَنَهْجَ الهُدَى فَالْزَمْهُ وَاقْتَدِ بِالأُلَى ... هُمُ شَهِدُوا التَّنْزِيْلَ عَلَّكَ تَنْجَبِرْ

وَكُنْ مُوْقِناً (٣) أَنَّا وَكُلَّ مُكَلَّفٍ ... أُمِرْنَا بِقَفْوِ الحَقِّ وَالأَخْذِ بِالحَذَرْ


(١) انظر " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١٧٥ - ١١٧٦، و" المنتظم " ٨ / ٣٢٠.
(٢) في " تذكرة الحفاظ " ٣ / ١١٧٦: وسمعته يقول - وقد جرى ذكر الصحيح الذي خرجه أبو ذر الهروي -، ونقل المصنف في " التذكرة " ٣ / ٦: ١١ في ترجمة أبي ذر - وهو عبد بن أحمد الهروي - عن عبد الغافر في تاريخ نيسابور قوله: خرج على الصحيحين تخريجا حسنا، وقول القاضي عياض: لأبي ذر كتاب كبير مخرج على الصحيحين.
(٣) تحرف في " التذكرة " إلى موقفا.