للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَوَقَعُوا فِي وَسط العَدُوّ يَقتلُوْنَ كَيْفَ شَاؤُوا، وَثبت العَسْكَرُ، وَنَزَلَ النَّصْر، وَوَلَّتِ الرُّوْم، وَاسْتَحَرَّ بِهِم الْقَتْل، وَأُسِرَ طَاغِيَتهم أَرمَانوس، أَسره مَمْلُوْكٌ لِكوهرَائِين، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ إِفرنجِي: لاَ لاَ، فَهَذَا الْملك.

وَقَرَأْت بخطّ القِفْطِيّ أَنَّ أَلب آرسلاَن بِالغ فِي التَّضَرُّع وَالتذلل، وَأَخلص للهِ.

وَكَيْفِيَةُ أسر الطَّاغِيَة أَنَّ مَمْلُوْكاً وَجد فَرساً بلجَام مجَوْهَر وَسرج مَذْهَب مَعَ رَجُلٍ، بَيْنَ يَدَيْهِ مِغفرٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَدرع مَذْهَّب، فَهَمَّ الغُلاَم، فَأَتَى بِهِ إِلَى بَيْنَ يَدي السُّلْطَان، فَقنَّعه بِالمِقرعَة، وَقَالَ: وَيْلَك! أَلَمْ أَبعثَ أَطلب مِنْكَ الهُدنَة؟

قَالَ: دعنِي مِنَ التَّوبيخ.

قَالَ: مَا كَانَ عَزْمُك لَوْ ظفرتَ بِي؟

قَالَ: كُلُّ قَبِيح.

قَالَ: فَمَا تُؤَمِّلُ وَتَظُنُّ بِي؟

قَالَ: القتلُ أَوْ تُشهّرُنِي فِي بلاَدك، وَالثَّالِثَة بعيدَةٌ: العفوُ وَقبولُ الفِدَاء.

قَالَ: مَا عَزمتُ عَلَى غَيْرهَا.

فَاشْتَرَى نَفْسه بِأَلفِ أَلفِ دِيْنَار وَخَمْسِ مائَة أَلْف دِيْنَار، وَإِطلاَقِ كُلّ أَسير فِي بلاَده، فَخلع عَلَيْهِ، وَبَعَثَ مَعَهُ عِدَّة، وَأَعْطَاهُ نَفَقَة تُوصلُه.

وَأَمَّا الرُّوْم فَبَادرُوا، وَملَّكُوا آخر، فَلَمَّا قرب أَرمَانوس، شعر بزوَال ملكه، فَلَبِسَ الصُّوف، وَترهَّب، ثُمَّ جمع مَا وَصلتْ يَدُه إِلَيْهِ نَحْو ثَلاَث مائَة أَلْف دِيْنَار، وَبَعَثَ بِهَا، وَاعْتَذَرَ، وَقِيْلَ: إِنَّهُ غلب عَلَى ثُغُور الأَرمن.

وَكَانَتِ المَلْحَمَة فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ (١) .

وَقَدْ غَزَا بلاَد الرُّوْم مرَّتين، وَافتَتَح قلاعاً، وَأَرعب المُلُوْكَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَمِنْهَا إِلَى كِرْمَان وَبِهَا أَخُوْهُ حَاروت (٢) ، وَذَهَبَ إِلَى شيرَاز، ثُمَّ عَادَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَكَادَ أَنْ يَتملّك مِصْر.


(١) وقد تقدم الخبر في ترجمة القائم بأمر الله، ص: ٣١٥ - ٣١٦، وانظر " المنتظم " ٨ / ٢٦٠ - ٢٦٥، و" الكامل " ١٠ / ٦٥ - ٦٧، و" مختصر تاريخ دولة آل سلجوق ": ٤٠ - ٤٤، و" دول الإسلام " ١ / ٢٧٢ - ٢٧٣.
(٢) في " المنتظم " ٨ / ٢٧٧، و" الكامل " ١٠ / ٧٦: قاورت بك، وفي " مختصر دولة آل سلجوق " و" النجوم الزاهرة " قاوردبك.