للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فُحُوْل أَهْلِ النَّظَر، وَأَخَذَ يُطَالِعُ كتبَ الحَدِيْث، وَحَجَّ وَرَجَعَ، وَتركَ طرِيقَتَه الَّتِي نَاظَرَ عَلَيْهَا ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَتَحَوَّلَ شَافِعيّاً، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، فَاضْطَرَب أَهْلُ مَرْو، وَتَشَوَّشَ العَوَامُّ، حَتَّى وَردت الكُتُب مِنَ الأَمِيْرِ بِبَلْخَ، فِي شَأْنه وَالتَّشدِيْدِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ مِنْ مَرْوَ، وَرَافقه ذُو المَجْدَيْنِ أَبُو القَاسِمِ المُوسَوِي، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأَصْحَاب، وَفِي خِدمته عِدَّةٌ مِنَ الفُقَهَاء، فَصَارَ إِلَى طُوْس، وَقَصَدَ نَيْسَابُوْرَ، فَاسْتقبله الأَصْحَابُ اسْتِقبالاً عَظِيْماً أَيَّامَ نِظَام المُلك، وَعَمِيد الحضرَة أَبِي سَعْدٍ، فَأَكرمُوْهُ، وَأُنْزِلَ فِي عِزٍّ وَحِشْمَةٍ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ التَّذكير فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَّة، وَكَانَ بَحْراً فِي الوعظِ، حَافِظاً، فَظَهَرَ لَهُ القَبُولُ، وَاسْتَحكمَ أَمرُه فِي مَذْهَب الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَرْوَ، وَدَرَّس بِهَا فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَة، وَقَدَّمه النِّظَام عَلَى أَقرَانِهِ، وَظَهر لَهُ الأَصْحَابُ، وَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَهُوَ فِي ارْتقَاء (١) .

صَنَّفَ كِتَاب (الاصْطِلاَم (٢)) ، وَكِتَاب (البُرْهَان (٣)) ، وَلَهُ (الأَمَالِي) فِي الحَدِيْثِ (٤) ، تَعصب لأَهْل الحَدِيْث وَالسُّنَّة وَالجَمَاعَة، وَكَانَ شَوكاً فِي أَعْيُن المُخَالفِيْن، وَحُجَّةً لأَهْلِ السّنَّة.

وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: صَنَّف جَدِّي التَّفْسِيْر، وَفِي الفِقْه وَالأُصُوْل


(١) طبقات السبكي: ٥ / ٣٤٤.
(٢) في الرد على أبي زيد الدبوسي الحنفي، ويسمى (المختصر) ، انظر الأنساب: ٧ / ١٣٩، وطبقات السبكي: ٥ / ٣٤٢، وطبقات المفسرين للداوودي: ٢ / ٣٤٠، والنجوم الزهرة: ١٦٠ / ٥.
(٣) قالوا: إنه يشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية.
(٤) قال حفيده في الأنساب: ٧ / ١٣٩، ١٤٠: وأملى المجالس في الحديث، وتكلم على كل حديث بكلام مفيد، وصنف التصانيف في الحديث مثل (منهاج أهل السنة) ، و (الانتصار) ، و (الرد على القدرية) ، ثم قال: ... وقد جمع الأحاديث الالف الحسان من مسموعاته عن مئة شيخ له، عن كل شيخ عشرة أحاديث.