للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(المقَامَاتِ) بِإِشَارَة أَنو شروَان، إِلَى أَنْ رَأَيْتُ بِالقَاهِرَةِ نسخَةً بِخَطِّ المصَنّف، وَقَدْ كتب أَنَّهُ صنفهَا لِلوزِيْر جلاَل الدّين أَبِي عَلِيٍّ بنِ صَدَقَةَ وَزِيْرِ المُسْترشدِ، فَهَذَا أَصَحُّ، لأَنَّه بِخَطِّ المُصَنِّفِ.

وَفِي (تَارِيخ النُّحَاةِ (١)) لِلْقِفطِيِّ: أَنَّ أَبَا زَيْدٍ السَّروجِي اسْمُهُ مُطهَّر بن سلاَّر، وَكَانَ بَصْرِيّاً لغوياً، صَحِبَ الحَرِيْرِيّ، وَتَخَرَّج بِهِ، وَتُوُفِّيَ بَعْد عَامِ أَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، سَمِعَ أَبُو الفَتْحِ المَنْدَائِيُّ مِنْهُ (المُلحَة) بِسمَاعه مِنَ الحَرِيْرِيّ.

وَقِيْلَ: إِنَّ الحَرِيْرِيّ عَمِلَ المقَامَات أَرْبَعِيْنَ وَأَتَى بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، فَقَالَ بَعْضُ الأَدبَاء: هَذِهِ لِرَجُلٍ مَغْرِبِي مَاتَ بِالبَصْرَةِ، فَادَّعَاهَا الحَرِيْرِيُّ، فَسَأَلَهُ الوَزِيْرُ عَنْ صنَاعته، فَقَالَ: الأَدبُ، فَاقترح عَلَيْهِ إِنشَاءَ رِسَالَةٍ فِي وَاقعَةٍ عَيَّنهَا، فَانْفرد وَقَعَدَ زَمَاناً لَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ بِمَا يَكتُبُه، فَقَامَ خجلاً.

وَقَالَ عَلِيُّ بنُ أَفلح الشَّاعِر:

شَيْخٌ لَنَا مِنْ رَبِيْعَةَ الفَرَسِ ... يَنْتِفُ عُثْنُونَه مِنَ الهَوَسِ

أَنْطَقَهُ اللهُ بِالمَشَانِ كَمَا ... رَمَاهُ وَسْطَ الدِّيْوَانِ بِالخَرَسِ

وَكَانَ يذكر أَنَّهُ مِنْ رَبِيْعَة الفَرَس، وَكَانَ يَعْبَثُ بِلحيته، فَلَمَّا ردَّ إِلَى بَلَده، كَمَّلَهَا خَمْسِيْنَ وَنفَّذهَا، وَاعْتَذَرَ عَنْ عِيِّهِ بِالهَيْبَةِ (٢) .

وَقِيْلَ: بَلْ كَرِهَ المُقَامَة بِبَغْدَادَ، فَتَجَاهَلَ، وَقَبَّل صغِيراً بحَلْقَة،


(١) ٣ / ٢٧٦ في ترجمة المطهر بن سلار.
(٢) " وفيات الأعيان ": ٤ / ٦٥، ٦٦، والعثنون: طرف اللحية، والهوس محركة: طرف من الجنون وخفة العقل.
وقال البغدادي في " خزانة الأدب ": ٣ / ١١٧ عن مقامات الحريري: اشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها، ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها، استدل بها على فضله، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته.