للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جبال دَرن (١) ، وَهُوَ جبل الثَّلج، وَطرِيقُهُ وَعرٌ ضيِّق.

قَالَ اليَسع فِي (تَارِيْخِهِ) :لاَ أَعْلَم مَكَاناً أَحصنَ مِنْ تِينَمَلل لأَنَّهَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَلاَ يَصِلُ إِلَيهِمَا إِلاَّ الفَارِسُ، وَرُبَّمَا نَزل عَنْ فَرسه فِي أَمَاكنَ صعبَة، وَفِي موَاضِع يَعْبُرُ عَلَى خَشَبَة، فَإِذَا أُزِيلت الخَشَبَة، انْقَطَع الدَّرْبُ، وَهِيَ مَسَافَة يَوْم، فَشَرعَ أَتْبَاعُهُ يُغِيروْنَ وَيَقتلُوْنَ، وَكثُرُوا وَقَوُوا، ثُمَّ غَدَرَ بِأَهْلِ تِيْنَمَلَل الَّذِيْنَ آوَوْهُ، وَأَمر خوَاصَّه، فَوضعُوا فِيهِم السَّيْف، فَقَالَ لَهُ الفَقِيْهُ الإِفْرِيْقِيّ أَحَدُ العَشْرَة مِنْ خوَاصِّهِ: مَا هَذَا؟! قَوْمٌ أَكرمونَا وَأَنْزَلونَا نَقتلُهُم!!

فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: هَذَا شكَّ فِي عِصمتِي، فَاقتلُوْهُ، فَقُتِلَ.

قَالَ اليَسع: وَكُلُّ مَا أَذْكُرُهُ مِنْ حَال المصَامِدَة، فَقَدْ شَاهَدتُهُ، أَوْ أَخذتُهُ مُتَوَاتِراً، وَكَانَ فِي وَصَيَّتِهِ إِلَى قَوْمه إِذَا ظَفِرُوا بِمُرَابِطٍ أَوْ تِلِمْسَانِي أَنْ يَحرِقوهُ.

فَلَمَّا كَانَ عَامُ تِسْعَةَ عَشرَ وَخَمْسِ مائَة، خَرَجَ يَوْماً، فَقَالَ: تَعلمُوْنَ أَنَّ البَشِيْر - يُرِيْد الوَنْشَرِيسِي - رَجُلٌ أُمِّي، وَلاَ يثبُت عَلَى دَابَّة، فَقَدْ جَعَلَه الله مُبَشِّراً لَكُم، مُطَّلِعاً عَلَى أَسرَارِكُم، وَهُوَ آيَةٌ لَكُم، قَدْ حَفِظَ القُرْآن، وَتعلَّمَ الرُّكوب، وَقَالَ: اقرَأَ، فَقَرَأَ الختمَةَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّام، وَركب حصَاناً، وَسَاقه، فَبُهِتُوا، وَعدُّوهَا آيَةً لِغَبَاوَتِهِم، فَقَامَ خَطِيْباً، وَتَلاَ: {لِيَمِيْزَ اللهُ الخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأَنْفَال:٣٧] ، وَتَلاَ: {مِنْهُمُ المُؤْمِنُوْنَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُوْنَ} [آلُ عِمْرَان:١١٠] ، فَهَذَا البَشِيْرُ مطلع عَلَى الأَنْفُس، مُلْهَمٌ،


(١) انظر " الروض المعطار ": ص: ٢٣٤، ٢٣٥.