للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى الخَلِيْفَة الفَجْر، وَبَيْنَ يَدَيْهِ مصحف، وَمقَابلهُ ابْنُ سُكَيْنَة إِمَامُه، فَدَخَلَ نَجَا الخَادِم، فَسَلَّمَ الرُّقعَة إِلَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُهُ، فَقرَأَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَالَ: مَنْ كَتَبَ هَذِهِ؟

فَقَالَ: فَارِسُ الإِسْلاَم.

قَالَ: أَحضره.

فَجَاءَ، فَقَبَضَ عَلَى يَدي، فَأُرْعِدْتُ، وَقبلتُ الأَرْض، فَقَالَ: وَعليكُم السَّلاَم.

ثُمَّ قرَأَ الرقعَة، مَرَّات ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَتَبَ هَذِهِ؟

قُلْتُ: أَنَا.

قَالَ: وَيْلَك، لَمْ أَخلَيت مَوْضِعَ الكَلِمَة الأُخْرَى؟

قُلْتُ: هُوَ مَا رَأَيْتَ يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ!

قَالَ: وَيْلَك، هَذَا المَنَام أُرِيتُه أَنَا فِي هَذِهِ السَّاعَة.

فَقُلْتُ: يَا مَوْلاَنَا، لاَ يَكُوْن أَصدق مِنْ رُؤيَاك، تَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جِئْت.

قَالَ: وَيْلَك، وَيُكَذَّبُ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟! لاَ وَاللهِ مَا بَقِيَ لَنَا رَجْعَة، وَيَقضِي الله مَا يَشَاء.

فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِث، وَقَعَ المَصَافُّ، وَتَم مَا تَمّ، وَكُسِرَ وَأُسِرَ وَقُتِلَ - رَحِمَهُ اللهُ - (١) .

قَالَ ابْنُ نَاصر: خَرَجَ المُسْترشد بِاللهِ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ إِلَى هَمَذَان لِلإِصْلاَح بَيْنَ السّلاَطين، وَاخْتِلاَف الجُنْد، وَكَانَ مَعَهُ جمعٌ كَثِيْر مِنَ الأَترَاك، فَغَدَرَ بِهِ أَكْثَرهُم، وَلَحِقُوا بِمَسْعُوْد بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه، ثُمَّ التَقَى الجمعَانِ، فَانْهَزَم جَمعُ المُسْترشد بِاللهِ فِي رَمَضَانَ، وَقُبِضَ عَلَيْهِ، وَعَلَى خوَاصِّه، وَحُمِلُوا إِلَى قَلْعَةٍ هُنَاكَ، فَحُبِسُوا بِهَا، وَبَقِيَ الخَلِيْفَةُ مَعَ السُّلْطَان مَسْعُوْد إِلَى نِصْف ذِي القَعْدَةِ، وَحُمِلَ مَعَهُم إِلَى مرَاغَة، ثُمَّ إِنَّ البَاطِنِيَّة أَلَّفُوا عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ الملاَحدَة، وَكَانَ قَدْ أُنْزَل نَاحِيَة مِنَ المعَسْكَر، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَفَتكُوا بِهِ، وَبجَمَاعَةٍ كَانُوا عَلَى بَاب خَرَكَاهِه (٢) ، وَقُتِلُوا، وَنُقِلَ، فَدُفِنَ بِمرَاغَة، وَكَانَ مصرعُه يَوْم


(١) " طبقات السبكي ": ٧ / ٢٦١ وما بين حاصرتين منه.
(٢) الخركاه بالفارسية: الخيمة الكبيرة.