للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ الوَزِيْر ذَا انصبَاب إِلَى أَهْلِ العِلْمِ وَالتَصَوُّف، يُسبغ عَلَيْهِم النِّعَم، وَيَشتغل هُوَ وَأَوْلاَده بِالحَدِيْثِ وَالفِقْه وَالأَدب، وَكَانَ النَّاسُ مَعَهُم فِي بُلَهْنِيَّةٍ (١) ، ثُمَّ وَقعتْ كدورَات وَإِحن بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُطْب الدِّيْنِ قَايْمَاز.

قُلْتُ: وَقَدْ عُزِلَ (٢) ، ثُمَّ أُعيد (٣) ، وَتَمَكَّنَ، ثُمَّ تَهَيَّأَ لِلْحَجِّ، وَخَرَجَ فِي رَابع ذِي القَعْدَةِ (٤) فِي مَوْكِب عَظِيْم، فَضَرَبَه باطنِيٌّ عَلَى بَاب قَطُفْتَا (٥) أَرْبَع ضربَات، وَمَاتَ ليَوْمه مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ، وَكَانَ قَدْ هَيَّأَ سِتّ مائَة جمل، سبَّل مِنْهَا مائَة، صَاح البَاطِنِيُّ: مَظْلُوْم! مَظْلُوْم!

وَتَقرّب، فَزجره الغلمَان، فَقَالَ: دعُوْهُ.

فَتَقَدَّم إِلَيْهِ، فَضَرَبَه بِسكين فِي خَاصرته، فَصَاح الوَزِيْر: قَتَلنِي، وَسقط، وَانْكَشَفَ رَأْسه، فَغطَى رَأْسه بكمّه، وَضرب البَاطِنِيُّ بِسيف، فَعَاد وَضرب الوَزِيْر، فَهبّروهُ بِالسُّيوف، وَكَانَ مَعَهُ اثْنَانِ، فَأُحرقُوا، وَحُمِلَ الوَزِيْر إِلَى دَار، وَجُرِحَ الحَاجِب (٦) ، وَكَانَ الوَزِيْر قَدْ رَأَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ معَانق عُثْمَان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَحَكَى عَنْهُ ابْنه أَنَّهُ اغْتَسَلَ قَبْل


(١) بلهنية بضم الباء: أي سعة ورفاهية.
(٢) قال ابن الدبيثي: (فلم يزل على أمره، وله أعداء يسعون في فساد حاله، والامام المستضئ بأمر الله رضي الله عنه يدفع عنه، حتى تم لهم ما راموه، فعزل في اليوم العاشر من شوال سنة سبع وستين وخمس مئة، ولزم بيته، ثم لم يزالوا متتبعين له، عاملين في أذاه حتى أدت الحال إلى خروجه من داره ومنزله بأهله إلى الحريم الطاهري بالجانب الغربي) (التاريخ: ٢ / الترجمة: ٢٢٠) .
(٣) وذلك في ذي القعدة سنة ٥٧٠، كما في (تاريخ) ابن الدبيثي المذكور و (مختصر التاريخ) لابن الكازروني: ص: ٢٤١ ٢٤٠.
(٤) سنة ٥٧٣. وفي (تاريخ) ابن الدبيثي: خامس ذي القعدة.
(٥) قطفتا: بالفتح ثم الضم والفاء ساكنة: اسم قرية كانت مجاورة لمقبرة الشيخ معروف الكرخي وقد صارت في ذلك التاريخ محلة مشهورة من محال الجانب الغربي.
(٦) يعني حاجب الباب، وهو أبو سعد ابن المعوج.
وتفاصيل الحادثة في كتاب (المنتظم) لابن الجوزي و (تاريخ) ابن الدبيثي.