للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْنَ رُشْدٍ ليُحسن إِلَيْهِ، فَحضر، وَمَاتَ، ثُمَّ بَعْد يَسير مَاتَ يَعْقُوْب.

وَقَدْ كتب صَلاَح الدِّيْنِ إِلَى يَعْقُوْبَ يَسْتَنجد بِهِ فِي حِصَار عكَّا، وَنفّذ إِلَيْهِ تَقدمَةً، وَخضع لَهُ، فَمَا رضِي لِكَوْنِهِ مَا لقّبه بِأَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَلَقَدْ سمح بِهَا، فَامْتَنَعَ مِنْهَا كَاتبه القَاضِي الفَاضِل (١) .

وَقِيْلَ: إِنَّ يَعْقُوْب أَبطل الخَمْر فِي مَمَالِكه، وَتوعّد عَلَيْهَا فَعدمت، ثُمَّ قَالَ لأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبِيْب: ركِّب لَنَا ترِيَاقاً، فَأَعوزَه خمر، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تلطّف فِي تَحْصِيله سرّاً، فَحرص، فَعَجِزَ، فَقَالَ الْملك: مَا كَانَ لِي بِالتِّرْيَاق حَاجَة، لَكِن أَردت اخْتبَار بلاَدِي.

قِيْلَ: إِنَّ الأَدفنش كتب إِلَيْهِ يُهدِّده، وَيُعنِّفه، وَيطلب مِنْهُ بَعْض البِلاَد، وَيَقُوْلُ: وَأَنْت تُمَاطل نَفْسك، وَتُقدِّم رِجْلاً، وَتُؤخِّر أُخْرَى، فَمَا أَدْرِي الجبنُ بَطَّأَ بِك، أَوِ التَّكذِيب بِمَا وَعدك نَبِيّك؟

فَلَمَّا قرَأَ الْكتاب، تَنمَّر، وَغَضِبَ، وَمزّقه، وَكَتَبَ عَلَى رقعَة مِنْهُ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُوْدٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ... } الآيَةَ [النَّمْلُ: ٣٧] ، الجَوَابُ مَا تَرَى لاَ مَا تسَمِع.

وَلاَ كُتْب إِلاَّ المشرفِيَّةُ عِنْدنَا ... وَلاَ رُسْل إِلاَّ لِلْخَمِيْسِ العَرَمْرَمِ

ثُمَّ اسْتنْفرَ سَائِر النَّاس، وَحشد، وَجَمَعَ حَتَّى احتوَى دِيْوَانُ جَيْشه


(١) كان ذلك في أواخر ٥٨٧، وكان السفير شمس الدين عبد الرحمان بن منقذ حيث وصل هناك في العشرين من ذي الحجة، وبقي إلى عاشوراء من المحرم سنة ٥٨٨، وكان طلب صلاح الدين يتلخص في إرسال مراكب في البحر تكون عونا للمسلمين على مراكب الصليبيين، وكان القاضي الفاضل قد نصح صلاح الدين بعدم الارسال، لكنها كانت محاولة، وفشلت.
وقد أورد أبو شامة نص الكتاب الذي أرسله السلطان من إنشاء القاضي الفاضل، وأراد أن يذكر فيه لقب (أمير المؤمنين) ، لكن القاضي الفاضل امتنع خوفا من إغضاب العباسيين.
(وانظر ابن كثير في (البداية) : ١٢ / ٣٣٩، وابن واصل في (مفرج الكروب) : ٢ / ٤٩٦) .