للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَانهدمَتْ بَغْدَادُ بِأَسْرِهَا، وَلَمْ يَبْقَ أَنْ يَطفحَ المَاءُ عَلَى رَأْسِ السُّوْرِ إِلاَّ قَدرَ إِصبعينِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَبَقِيَتْ بَغْدَادُ مِنَ الجَانِبَينِ تُلُوْلاً لاَ أَثرَ لَهَا.

قُلْتُ: العجبُ مِنْ أَبِي شَامَةَ (١) يَنقلُ أَيْضاً هَذَا وَلاَ يُبَالِي بِمَا يَقُوْلُ.

وَقَالَ أَبُو المُظَفَّرِ (٢) : نَزلَ خُوَارِزْم شَاه فِي أَرْبَعِ مائَةِ أَلْفٍ قَاصداً بَغْدَادَ، فَاسْتعدَّ النَّاصِرُ، وَفرَّقَ الأَمْوَالَ وَالعُدَدَ، وَنفَّذَ إِلَيْهِ رَسُوْلاً السُّهْرَوَرْدِيَّ (٣) ، فَأَهَانَهُ، فَاسْتوقفَهُ وَلَمْ يُجْلِسْهُ، وَفِي الخِدْمَةِ مُلُوْكُ العجمِ.

قَالَ: وَهُوَ شَابٌّ عَلَى تَخْتٍ، وَعَلَيْهِ قبَاءٌ يُسَاوِي خَمْسَةَ درَاهِم، وَعَلى رَأْسِهِ قُبعُ جلدٍ يُسَاوِي دِرْهَماً، فَسَلَّمْتُ فَمَا ردَّ، فَخطبْتُ وَذكَّرْتُ فَضلَ بَنِي العَبَّاسِ، وَعَظَّمْتُ الخَلِيْفَةَ، وَالتَّرْجَمَانُ يُعيدُ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لِلتَّرْجَمَانِ: قُلْ هَذَا الَّذِي يَصفُهُ: مَا هُوَ فِي بَغْدَادَ، بَلَى أَنَا أُقيمُ خَلِيْفَةً كَمَا تَصِفُ، وَرَدّنَا بِلاَ جَوَابٍ، وَنَزَلَ ثَلجٌ عَظِيْمٌ، فَهلكَتْ خَيْلُهُم وَجَاعُوا، وَكَانَ مَعَهُ سَبْعُوْنَ أَلْفاً مِنَ الخَطَا، فَصرَفَهُ اللهُ عَنْ بَغْدَادَ.

وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ: أَنَا مَنْ (٤) آذِيتُ أَحَداً مِنْ بَنِي العَبَّاسِ؟ بَلْ فِي جَيْشِ الخَلِيْفَةِ خَلْقٌ مِنْهُم، فَأَعِدْ هَذَا عَلَى مَسَامِعِ الخَلِيْفَةِ، وَمَنَعَهُ اللهُ بثلوجٍ لاَ تُوصَفُ.

وَفِيْهَا: أَقْبَلتْ جُيوشُ الفِرَنْجِ لِقَصدِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَالأَخْذِ بِالثَّأْرِ، وَوصلُوا إِلَى بَيْسَانَ، وَتَأَخَّرَ العَادلُ فَتَبِعُوْهُ، وَنَزَلَ بِمرْجِ الصُّفَّرِ (٥) ، وَاسْتحثَّ العَسَاكِرَ وَالمُلُوْكَ، وَضَجَّ الخَلْقُ بِالدُّعَاءِ، وَكَانَتْ هُدنَةٌ، فَانْفسخَتْ وَنَهَبَتِ الفِرَنْجُ بلاَدَ


(١) ذيل الروضتين: ١٠٠.
(٢) مرآة الزمان: ٨ / ٥٨٢ - ٥٨٣.
(٣) شهاب الدين عمر المتوفي سنة ٦٣٢.
(٤) هكذا في الأصل، وفي " تاريخ الإسلام " - بخط المؤلف - وفي ذيل الروضتين: " ما "
(٥) التقييد من معجم البلدان ".