للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأَخِيهِ، وَقَوِيَ المُسْلِمُوْنَ، وَحَاربُوا الفِرَنْجَ مَرَّاتٍ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ فِي هُدنَةٍ، وَبَذَلُوا لِلْفرنجِ القُدْسَ وَعَسْقَلاَنَ وَقِلاَعاً سِوَى الكَرَكِ، فَأَبَوْا، وَطَلَبُوا ثَلاَثَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ عِوَضاً عَنْ تَخرِيبِ

سُورِ القُدْسِ، فَاضطرَّ المُسْلِمُوْنَ إِلَى حَرْبِهِم.

فَقَلَّتِ المِيْرَةُ عَلَى الفِرَنْجِ، فَفَجَّرَ المُسْلِمُوْنَ النِّيلَ عَلَى مَنْزِلَةِ الفِرَنْجِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُم مَسْلَكٌ غَيْرُ جهَةٍ ضَيِّقَةٍ، فَنَصَبَ الكَامِلُ الجسورَ عَلَى النِّيلِ، وَدَخَلتِ العَسَاكِرُ، فَملَكُوا المضِيْقَ، وَسُقِطَ فِي أَيدِي الفِرَنْجِ، وَجَاعُوا، فَأَحرقُوا خِيَامَهُم وَأَثقَالَهُم وَمَجَانِيْقَهُم، وَعزمُوا عَلَى الزَّحْفِ إِلَى المُسْلِمِيْنَ، فَعَجَزُوا وَذلّوا، وَعَزَّ المُسْلِمُوْنَ عَلَيْهِم، فَطَلبُوا مِنَ الكَامِلِ الأَمَانَ، وَيَتْرُكُوا لَهُ دِمْيَاطَ، فَبَيْنَمَا هُم فِي ذَلِكَ إِذَا رَهَجٌ (١) عَظِيْمٌ، وَضجَّةٌ مِنْ جِهَةِ دِمْيَاطَ، فَظنُّوهَا نَجدَةً لِلْفرنجِ جَاءت، وَإِذَا بِهِ المَلِكُ المُعَظَّمُ فِي جُندِهِ، فَخُذِلَتِ الملاعِينُ وَسَلّمُوا دِمْيَاطَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ، وَدخلَهَا المُسْلِمُوْنَ، وَقَدْ بَالَغَتِ الكِلاَبُ فِي تَحْصِينِهَا - وَللهِ الحَمْدُ -.

أَنْبَأَنِي مَسْعُوْدُ بنُ حمويَه، قَالَ: لَمَّا تَقرَّرَ الصُّلحُ، جلسَ السُّلْطَانُ فِي مُخَيَّمِهِ، عَنْ يَمِيْنِهِ المُجَاهِدُ شِيرْكُوْهُ، ثُمَّ الأَشْرَفُ، ثُمَّ المُعَظَّم، ثُمَّ صَاحِبُ حَمَاةَ، ثُمَّ الحَافِظُ صَاحِبُ جَعْبَرَ، وَمقدَّمُ عَسْكَرِ حَلَبَ، وَمقدَّمُ المَوَاصِلَةِ، وَالمَاردَانِيْنَ، وَمقدَّمُ جُنْدِ إِرْبِلَ وَمَيَّافَارِقِيْنَ، وَعَنْ شِمَالِهِ نَائِبُ البَابَا، ثُمَّ صَاحِبُ عَكَّا، ثُمَّ صَاحِبُ قُبْرصَ، وَصَاحِبُ طَرَابُلُسَ، وَصَاحِبُ صَيْدَا، ثُمَّ أَربَابُ القلاعِ، وَمقدَّمُ الدّيويَةَ، وَمقدَّمُ الإِسبتَارِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَأَذِنَ السُّلْطَانُ بِأَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِم المَأْكولُ، فَكَانَ يَدخلُ إِلَيْهِم كُلَّ يَوْمٍ خَمْسُوْنَ أَلْفَ رَغِيْفٍ، وَمائتَا


= عدد كبير دفاعا عن بيضة الإسلام، ذكر عددا منهم الزكي المنذري في " التكملة "، والذهبي في " تاريخ الإسلام " وهكذا كان العلماء رضي الله تعالى عنهم.
(١) الرهج: الغبار.