للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ لِفِرَاقِ دِيْنِهِم.

فَتَحَوَّلَ، فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسِيْرُ عَلَى بَعِيْرِي إِلَيْهِم، وَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ سَوْطِي كَأَنَّهُ قِنْدِيْلٌ مُعَلَّقٌ.

قَالَ: فَأَتَانِي أَبِي، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَلَسْتُ مِنْكَ، وَلَسْتَ مِنِّي.

قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟

قُلْتُ: إِنِّي أَسْلَمْتُ، وَاتَّبَعْتُ دِيْنَ مُحَمَّدٍ.

فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! دِيْنِي دِيْنُكَ، وَكَذَلِكَ أُمِّي، فَأَسْلَمَا.

ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْساً إِلَى الإِسْلاَمِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، وَتَعَاصَتْ.

ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:

غَلَبَ عَلَى دَوْسٍ الزِّنَى وَالرِّبَا، فَادْعُ عَلَيْهِم.

فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً) .

ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِم، وَهَاجَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقَمْتُ مِنْ ظَهْرَانِيْهِم أَدْعُوْهُم إِلَى الإِسْلاَمِ، حَتَّى اسْتَجَابَ مِنْهُم مَنِ اسْتجَابَ، وَسَبَقَتْنِي بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالخَنْدَقُ.

ثُمَّ قَدِمْتُ بِثَمَانِيْنَ أَوْ تِسْعِيْنَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ دَوْسٍ، فَكُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى فَتَحَ مَكَّةَ.

فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ابْعَثْنِي إِلَى ذِي الكَّفَيْنِ، صَنَمِ عَمْرِو بنِ حُمَمَةَ حَتَّى أُحْرِقَهُ.

قَالَ: (أَجَلْ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِ) .

فَأَتَيْتُ، فَجَعَلَتُ أُوْقِدُ عَلَيْهِ النَّارَ.

ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقَمْتُ مَعَهُ حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى بَعْثِ مُسَيْلِمَةَ وَمَعِي ابْنَيْ عَمْرٍو، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيْقِ، رَأَيْتُ رُؤْيَا، رَأَيْتُ كَأَنَّ رَأْسِي حُلِقَ، وَخَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَكَأَنَّ امْرَأَةً أَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا، وَكَأَنَّ ابْنِي يَطْلُبُنِي طَلَباً حَثِيْثاً، فَحِيْلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ.

فَحَدَّثْتُ بِهَا قَوْمِي، فَقَالُوا: خَيْراً.

فَقُلْتُ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَوَّلْتُهَا: أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي: فَقَطْعُهُ.

وَأَمَّا الطَّائِرُ: فَرُوْحِي.

وَالمَرْأَةُ: الأَرْضُ أُدْفَنُ فِيْهَا، فَقَدْ رُوِّعْتُ أَنْ أُقْتَلَ شَهِيْداً.

وَأَمَّا طَلَبُ ابْنِي إِيَّايَ: فَمَا أَرَاهُ إِلاَّ سَيُعْذَرُ فِي طَلَبِ الشَّهَادَةِ، وَلاَ أَرَاهُ يَلْحَقُ فِي سَفَرِهِ هَذَا.

قَالَ: فَقُتِلَ الطُّفَيْلُ يَوْمَ اليَمَامَةِ، وَجُرِحَ ابْنُهُ، ثُمَّ قُتِلَ يَوْمَ اليَرْمُوْكِ بَعْدُ (١) .


(١) ابن هشام ١ / ٣٨٢ عن ابن إسحاق بلا سند.
وذكره ابن عبد البر ٥ / ٢٢٤ عن ابن إسحاق، عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، وأخرجه ابن سعد ٤ / ١ / ١٧٥ من طريق الواقدي. =