للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوَاقِدِيُّ (١) : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ.

وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا:

كَانَ المُخْتَارُ أَشدَّ شَيْءٍ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَعَلَ يُلْقِي إِلَى النَّاسِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَطْلُبُ هَذَا الأَمْرَ لابْنِ الحَنَفِيَّةِ، ثُمَّ ظَلَمَهُ، وَجَعَلَ يُعَظِّمُ ابْنَ الحَنَفِيَّةِ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، فَيُبَايِعُوْنَهُ سِرّاً.

فَشَكَّ قَوْمٌ، وَقَالُوا: أَعْطَيْنَا هَذَا عُهُوْدَنَا أَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُوْلُ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ لَيْسَ مِنَّا بِبَعِيْدٍ.

فَشَخَصَ إِلَيْهِ قَوْمٌ، فَأَعْلَمُوْهُ أَمْرَ المُخْتَارِ، فَقَالَ: نَحْنُ قَوْمٌ حَيْثُ تَرَوْنَ مَحْبُوْسُوْنَ (٢) ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي سُلْطَانَ الدُّنْيَا بِقَتْلِ مُؤْمِنٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ انْتَصَرَ لَنَا بِمَنْ يَشَاءُ، فَاحْذَرُوا الكَذَّابِيْنَ.

قَالَ: وَكَتَبَ المُخْتَارُ كِتَاباً عَلَى لِسَانِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، وَجَاءهُ يَسْتَأْذِنُ - وَقِيْلَ: المُخْتَارُ أَمِيْنُ آلِ مُحَمَّدٍ وَرَسُوْلُهُمْ - فَأَذِنَ لَهُ، وَرحَّبَ بِهِ، فَتَكَلَّمَ المُخْتَارُ - وَكَانَ مُفَوَّهاً - ثُمَّ قَالَ:

إِنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتٍ، قَدْ أَكْرَمَكُمُ اللهُ بِنُصْرَةِ آلِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ رُكِبَ مِنْهُم مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْكَ المَهْدِيُّ كِتَاباً، وَهَؤُلاَءِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ (٣) ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ، وَرَأَيْنَاهُ حِيْنَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ.

فَقَرَأَهُ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُجِيْبُ، قَدْ أُمِرْنَا بِطَاعَتِكَ وَمُؤَازَرَتِكَ، فَقُلْ مَا بَدَا لَكَ.

ثُمَّ كَانَ يَرْكَبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَزَرَعَ ذَلِكَ فِي الصُّدُوْرِ.

وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَتَنَكَّرَ لابْنِ الحَنَفِيَّةِ.

وَجَعَلَ أَمْرُ المُخْتَارِ يَغْلُظُ؛ وَتَتَبَّعَ قَتَلَةَ الحُسَيْنِ، فَقَتَلَهُمْ، وَجْهَّزَ ابْنَ الأَشْتَرِ فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَظَفِرَ بِهِ ابْنُ الأَشْتَرِ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَى المُخْتَارِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى ابْنِ الحَنَفِيَّةِ وَعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَدَعَتْ بَنُوْ هَاشِمٍ لِلْمُخْتَارِ، وَكَانَ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ لاَ يُحِبُّ كَثِيْراً مِمَّا يَأْتِي بِهِ، وَكَتَبَ المُخْتَارُ


(١) في طبقات ابن سعد ٥ / ٩٨.
(٢) عبارة ابن سعد محتسبون.
(٣) وهم: يزيد بن أنس الأسدي، وأحمر بن شميط البجلي، وعبد الله بن كامل الشاكري، وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة، كما في طبقات ابن سعد.