للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُتِيَ بِمَرَاكِبِ الخِلاَفَةِ، فَقَالَ: دَابَّتِي أَرْفَقُ لِي.

فَرَكِبَ بَغْلَتَهُ، ثُمَّ قِيْلَ: تَنْزِلُ مَنْزِلَ الخِلاَفَةِ؟

قَالَ: فِيْهِ عِيَالُ أَبِي أَيُّوْبَ، وَفِي فُسْطَاطِي كِفَايَةٌ.

فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ: يَا رَجَاءُ، ادْعُ لِي كَاتِباً.

فَدَعَوْتُهُ، فَأَمْلَى عَلَيْهِ كِتَاباً أَحْسَنَ إِمْلاَءٍ وَأَوْجَزَهُ، وَأَمَرَ بِهِ، فَنُسِخَ إِلَى كُلِّ بَلَدٍ.

وَقَدْ كَانَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ مِنْ أَمْثَلِ الخُلَفَاءِ، نَشَرَ عَلَمَ الجِهَادِ، وَجَهَّزَ مائَةَ أَلْفٍ بَرّاً وَبَحْراً، فَنَازَلُوا القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وَاشْتَدَّ القِتَالُ وَالحِصَارُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ.

قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: وَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ:

يَا أَبَا حَفْصٍ، إِنَّا وَلِيْنَا مَا قَدْ تَرَى، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا بِتَدْبِيْرِهِ عِلْمٌ، فَمَا رَأَيْتَ مِنْ مَصْلَحَةِ العَامَّةِ، فَمُرْ بِهِ.

فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ عَزْلُ عُمَّالِ الحَجَّاجِ، وَأُقِيْمَتِ الصَّلَوَاتُ فِي أَوْقَاتِهَا بَعْدَ مَا كَانَتْ أُمِيْتَتْ عَنْ وَقْتِهَا، مَعَ أُمُوْرٍ جَلِيْلَةٍ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ عُمَرَ فِيْهَا.

فَقِيْلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ حَجَّ، فَرَأَى الخَلاَئِقَ بِالْمَوْقِفِ، فَقَالَ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَى هَذَا الخَلْقَ الَّذِي لاَ يُحْصِي عَدَدَهُم إِلاَّ اللهُ؟

قَالَ: هَؤُلاَءِ اليَوْمَ رَعِيَّتُكَ، وَهُمْ غَداً خُصَمَاؤُكَ.

فَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً.

قُلْتُ: كَانَ عُمَرُ لَهُ وَزِيْرَ صِدْقٍ، وَمَرِضَ بِدَابِقَ أُسْبُوْعاً، وَتُوُفِيَّ، وَكَانَ ابْنُهُ دَاوُدُ غَائِباً فِي غَزْوِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ.

وَعَنْ رَجَاءِ بنِ حَيْوَةَ، قَالَ:

ثَقُلَ سُلَيْمَانُ، وَلَمَّا مَاتَ، أَجْلَسْتُهُ، وَسَنَّدْتُهُ، وَهَيَّأْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: كَيْفَ أَصْبَحَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟

قُلْتُ: أَصْبَحَ سَاكِناً، فَادْخُلُوا سَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَبَايِعُوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى مَا فِي العَهْدِ.

فَدَخَلُوا، وَقُمْتُ عِنْدَهُ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ يَأْمُرُكُمْ بِالوُقُوْفِ.

ثُمَّ أَخَذْتُ الكِتَابَ مِنْ جَيْبِهِ، وَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُبَايِعُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الكِتَابِ.

فَبَايَعُوا، وَبَسَطُوا أَيْدِيَهِم، فَلَمَّا فَرَغُوا، قُلْتُ: آجَرَكُمُ اللهُ فِي أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.